يبعث من في القبور؟! فقالوا : نشهد بذلك ، قال : اللهمّ اشهد ، ثمّ قال :
أيّها الناس أتسمعوني؟ قالوا : نعم ، ثمّ عمّ السكوت الصحراء فلم يُسمع إلّا صوت الريح ، فقال صلىاللهعليهوآله : فانظروا ما ذا صنعتم بالثقلين من بعدي؟
فقال رجل من بين القوم : ما هذا الثقلان يا رسول الله؟!
قال صلىاللهعليهوآله : أما الثقل الأكبر فهو كتاب الله حبل ممدود من الله إليكم ، طرفه بيد الله والطرف الآخر بأيديكم ، فلا تدعوه ، وأما الثقل الأصغر فهم عترتي وقد أخبرني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ، فلا تتقدموهما فتهلكوا ولا تتأخروا عنهما فتهلكوا.
ونظر الناس إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله وهو يلتفت حوله ، وكأنه يبحث عن أحد ، ولما وقعت عيناه على علي عليهالسلام التفت إليه وأخذ بيده ورفعها حتّى بان بياض إبطيهما ، وشاهدهما جميع القوم ، وعرفوا أنه ذلك الفارس المقدام ، وهنا ارتفع صوت النبي صلىاللهعليهوآله ، وقال : أيُّهَا النّاسُ مَنْ أَوْلَى النّاسِ بِالمُؤمِنينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ؟
قالوا : الله ورسوله أعلم ،
فقال النبي صلىاللهعليهوآله : الله مولاي ، وأنا مولى المؤمنين وأولى منهم بأنفسهم ، ثمّ قال : فَمَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاهُ ، وكرر هذا الكلام ثلاث مرّات ، وكما قال أرباب الحديث : انه كرره أربعاً ، ثمّ رفع رأسه نحو السماء ، وقال :
اللهمّ والِ مَنْ والاه وَعادِ مَنْ عاداهُ ، وَأَحِبّ مَنْ أَحَبَّهُ وَابْغِضْ مَنْ أبْغَضَهُ وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَه وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ وَأَدِرِ الْحَقّ مَعَهُ حَيْثُ دارَ.
ثمّ قال صلىاللهعليهوآله : أَلا فَلْيُبلّغ الشّاهِدُ الْغائِبَ.
هنا انتهت خطبة الرسول صلىاللهعليهوآله وكان العرق يتصبب من النبي صلىاللهعليهوآله والجميع ، وما زال الناس لم يتفرقوا من ذلك المكان حتّى نزل عليه الوحي وقرأ هذه الآية على رسول الله صلىاللهعليهوآله : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله :
اللهُ أَكْبَرْ ، اللهُ أَكْبَرْ عَلَى اكْمالِ الدِّيْنِ وَاتْمامِ النِّعْمَة وَرِضَى الرَّبُّ بِرِسَالَتِي وَالْوِلايَةِ لِعَليٍّ مِنْ بَعْدي.