١ ـ إن قضية محبة علي عليهالسلام مع جميع المؤمنين لم تكن أمراً خفياً وسريّاً ومعقّداً ، بحيث يحتاج إلى هذا التأكيد والإيضاح ، وبحاجة إلى إيقاف ذلك الركب العظيم وسط الصحراء القاحلة الساخنة وإلقاء خطبة عليهم لأخذ الاقرار بالولاية له من ذلك الجمع.
فالقرآن يقول بصراحة : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)(١)
وفي موضع آخر يقول : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ)(٢)
والخلاصة : إنّ الاخوة الإسلامية ومودة المسلمين مع بعضهم من أكثر المسائل الإسلامية بداهة ، حيث كانت موجودة منذ انطلاقة الإسلام ، وطالما أكد عليها النبيُّ صلىاللهعليهوآله مراراً ، بالاضافة إلى عدم كونها مسألة تحتاج إلى بيان بهذا الاسلوب الحاد في الآية ، وأن يشعر النبي صلىاللهعليهوآله بالخطر من البوح بها (تأملوا جيداً).
٢ ـ إن عبارة «ألَستُ أوْلى بِكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ» الواردة في الكثير من الروايات لا تتناسب أبداً مع بيان مودّة عادية ، بل انه يريد القول بأن تلك الأولوية والتصرف الذي لي تجاهكم وأنني إمامكم وقائدكم ، فإنه ثابت لعلي عليهالسلام وأي تفسير لهذه العبارة غير ما قيل فهو بعيد عن الإنصاف والواقعية ، لا سيّما مع الأخذ بنظر الاعتبار جملة «أنَا أوْلى بِكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ».
٣ ـ التهاني التي قدمها الناس لعلي عليهالسلام في هذه الواقعة التاريخية ، لا سيّما التهاني التي قدمها أبو بكر وعمر ، إذ إنها تبرهن على أن القضية لم تكن سوى تعيين الخلافة التي يستحق التبريك والتهاني ، فالاعلان عن المودة الثابتة لجميع المسلمين بشكل عام لا يحتاج إلى تهنئة.
وجاء في مسند الإمام أحمد أن عمراً ، قال لعلي بعد خطبة النبي صلىاللهعليهوآله :
هنيئاً لك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كلّ مؤمن ومؤمنة (٣).
ونقرأ في العبارة التي ذكرها الفخر الرازي في ذيل الآية : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ)
__________________
(١) الحجرات : الآية ١٠.
(٢) التوبة : الآية ٧١.
(٣) مسند أحمد : ج ٤ ، ص ٢٨١ (على ضوء نقل الفضائل الخمسة : ج ١ ، ص ٤٣٢).