وهو : إن سياق الآيات السابقة واللاحقة بشأن أهل الكتاب لا تنسجم مع قضية الولاية والخلافة والإمامة ، ولا تتناسب هذه الاثنينية في الخطاب مع بلاغة وفصاحة القرآن (١).
الجواب : إن كافة المطّلعين على كيفية جمع آيات القرآن يعرفون أن آيات القرآن نزلت تدريجياً وبمناسباتٍ مختلفة ، من هنا فكثيراً ما تتحدث سورةٌ ما حول قضايا مختلفة ، فجانبٌ منها يتحدث عن الغزوة الفلانية ، والجانب الآخر حول الحكم والتشريع الإسلامي الفلاني ، وجانبٌ يخاطب المنافقين ، وآخر يخاطب المؤمنين ، فمثلاً لو طالعنا سورة النور لوجدناها تحتوي على جوانب متعددة ، كلٌّ منها ناظرٌ إلى موضوعٍ ، بدءاً من التوحيد والمعاد ومروراً بتنفيذ حدّ الزنا وقصة «الافك» ، والقضايا المتعلّقة بالمنافقين ، والحجاب وغيرها ، (وكذلك سائر السور الطوال إلى حدٍّ ما) بالرغم من وجود ارتباط عام بين مجموعة أجزاء السورة.
والسرّ وراء هذا التنوع في المحتوى ما قيل من أن القرآن نزل تدريجياً وحسب المتطلبات والضرورات وفي مختلف الأحداث ، وليس على هيئة كتاب كلاسيكي أبداً بحيث يتابع موضوعاً معداً سلفاً ، على هذا الأساس لا مانع على الاطلاق من أن تنزل مقاطع من سورة المائدة بشأن أهل الكتاب ، ومقاطع منها في واقعة الغدير ، بالطبع فمن وجهة النظر العامة انهما يرتبطان معاً إذ انّ تعيين خليفة لرسول الله صلىاللهعليهوآله يترك أثره على قضايا أهل الكتاب أيضاً ، لأنه سيؤدي إلى يأسهم من انهيار الإسلام برحيل النبي صلىاللهعليهوآله (٢).
__________________
(١) تفسير المنار : ج ٦ ، ص ٤٦٦.
(٢) نفحات القرآن : ج ٩ ، ص ١٧٥.