الحس والحركة ، ولهذا يحتاج في بقائه الدنيوي إلى معاونات ومعونات خارجية تعاونه وتعينه وتحفظه وتصونه عن الآفات والأضداد ، كما قال : (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً) ، وقوله : (لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ) ، وإليه الإشارة بقوله : (خُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) ، وبقوله : (إِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ).
وبالجملة ليس له ما دام الحياة الدنيوية مقام خاص في الوجود لا يتعداه ، (يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ) ، ولأجل هذه الخاصية يمكنه التطور في الأطوار والخروج من كل ما له من الكون المستعار ، والانتقال من هذه الدار إلى عالم الآخرة ودار الأبرار ، والمهاجرة من بيته الذي فيه مهاجرا إلى الله الواحد القهار ، كما في قوله : (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ) ، وإذ ليس له مقام معين ، فله السير إلى جميع المقامات ، وإذ ليس له صورة معينة ، فله التصور بكل صورة والتحلي بكل حلية ، قال الشاعر :
لقد صار قلبي قابلا كل صورة |
|
فمرعى لغزلان وديرا لرهبان |
إذا تقرر ما ذكرناه فنقول : إن حقيقة الأمانة وهي المعبر عنها تارة بفضل الله (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) ، هي الفيض الإلهي الأتم بلا واسطة ، والمراد منه الفناء عن كل شيء والبقاء بالله ، والإنسان من بين الممكنات مخصوص بذلك ، وإنما سميت أمانة لأن الفيض بلا واسطة هو من صفات الحق تعالى وقد حمله الإنسان لا غير ، لما ذكرنا من أن ما سواه غير مستعد لقبوله ، لتقيد كل منها بوجوده الخاص ، فالفلكية غير منسلخة من الفلك حتى يبقى فارغا عنها قابلا لغيرها ، وهكذا الأرضية من الأرض والجبلية من الجبال ، وكذا كل من في السماوات والأرض والجبال ، إذ المراد من الآية عرض الأمانة على كل الممكنات لا على بعضها ، والتقدير أنا عرضنا الأمانة على أهل السماوات والأرض والجبال ، ومعنى عرض الأمانة عرض تحمل الفيض الوجودي على وجه العارية المأخوذة أولا ، المردودة إلى أهلها أخيرا ، وقبول الفيض الوجودي الفائض من الله