ولو ظهر وجهان كالفقر والعلم ، فإن تساويا انتفى ظن العلّة في واحد بعينه. فإذن العلم بحكمة الفاعل وبحصول جهة معينة من الحكمة والغفلة عن غيرها يقضي بظن استناد الفعل إلى تلك الحكمة فيكون في الغائب كذلك ، لأنّ الظن دار مع العلمين وجودا وعدما ، والدوران دليل العليّة ظاهرا ، فيحصل ظنّ أنّ العلم بحكمة الفاعل وباشتمال الفعل على جهة مصلحة مع الغفلة عن سائر الجهات علّة لحصول الظن بأنّ ذلك الحكيم أتى بذلك الفعل لتلك الحكمة ، والعلّة تستلزم الحكم أينما حصلت. فإذا حصل ذلك العلمان في أفعاله تعالى وأحكامه حصل ظن أنّه تعالى إنّما شرع الحكم لتلك المصلحة ، فالمناسبة تفيد ظن العلّيّة.
الوجه الثاني : في أنّ المناسبة تفيد ظنّ العلّيّة بعد تسليم أنّ فعله ليس لغرض.
إنّ دوران الأفلاك وطلوع الكواكب وغروبها وبقاءها على أشكالها وأنوارها غير واجب ، لكنّ الله تعالى لمّا أجرى عادته على البقاء على حالة واحدة لا جرم يحصل ظن البقاء ، وكذا نزول المطر عند الغيم الرطب ، وحصول الشبع والري عقيب الأكل والشرب ، والاحتراق عند ملاقاة النار غير واجب ، لكن العادة لما اطّردت حصل ظن يتاخم العلم بالبقاء على مناهجها.
والحاصل : أنّ تكرر الشيء مرارا كثيرة يقتضي ظنّ أنّه متى حصل فإنّما يحصل على ذلك الوجه. وحينئذ نقول : لما تأمّلنا الشرائع وجدنا