قلنا : سواء ادّعيت احتياج التخصيص إلى مخصّص أو لم تدع لا يمكنك القول بتعليل أحكامه تعالى بالمصالح ؛ أمّا مع الاحتياج فلأنّ فعل العبد وإن وقع منه تعالى استند الكفر والمعصية إليه ، فيستحيل القول بأنّه لا يفعل إلّا لمصلحة العبد.
وإن وقع من العبد ، فإن لم يتمكّن من ترك المعصية مع أنّ القدرة والداعي الموجبين لها من فعله تعالى كان قد فعل في العبد ما يوجب المعصية ، ويمتنع عقلا انفكاكه عنهما ، فلا يمكن القول بأنّه تعالى يراعي مصلحة العبد.
وإن تمكن من الترك افتقر في ترجيح أحد الممكنين إلى مرجّح ، فإن كان من العبد عاد التقسيم ، وإن كان منه تعالى فإن وجب الترجيح عنده عاد الأمر إلى أنّه تعالى فعل فيهما ما يوجب المعصية فلا يراعي المصالح ، وإن لم يجب افتقر إلى مرجح آخر ويتسلسل أو ينتهي إلى الوجوب.
لا يقال (١) : عند حصول المرجّح يكون الفعل أولى بالوقوع من غير انتهاء إلى حد الوجوب.
لأنّا نقول : حصول الترجيح ولا حصوله مع الأولوية ان كانا ممكنين فلنفرض وقوعهما ، فنسبة الأولوية إلى الترجيح واللّاترجيح على السواء ، فاختصاص أحد زماني الأولوية بالوقوع دون الثاني ترجيحا للممكن المتساوي من غير مرجّح ، وهو محال.
__________________
(١) ذكره الرازي مع الجواب عنه في المحصول : ٢ / ٣٣٤.