قلت : قد دلّ الدليل الخارجي على حرمته ، ولولاه لما قلنا بحرمته. وإنّما حرّم الشارع القليل منه ، لأنّ الإنسان إذا شرب القليل فسوف تدعوه نفسه إلى شرب أكثر وربّما ينتهي الأمر إلى شرب ما يسكر.
ب. إذا لم يكن الحكم دائرا مدار ما يتوهم أنّه علّة ، بل كان أوسع منها ، فهي حكمة الحكم ، وهذا كما في المثال التالي :
إنّه سبحانه تبارك وتعالى فرض على المطلّقة تربص ثلاثة قروء بغية استعلام حالها من حيث الحمل وعدمه ، وأضاف سبحانه بأنّها لو كانت حاملا فعدتها وضع حملها. قال تعالى:
(وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ). (١)
وقال في آية أخرى : (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ).(٢)
ولكن ليس استعلام حال المطلقة ملاكا للحكم وعلّة لوجوب الاعتداد ، وإنّما هو من حكم الحكم الّتي تلازمه في أكثر موارده. ولذلك لو علم حال المطلقة وخلوّ رحمها عن الحمل بسبب غيبة زوجها عنها مدّة سنة ، أو انكشفت حالها بواسطة الطرق العلمية المفيدة لليقين ، فمع ذلك كلّه يجب عليها الاعتداد ، وليس لها ترك الاعتداد بحجة أنّ رحمها خال عن الحمل فلا فائدة في الاعتداد.
__________________
(١) البقرة : ٢٢٨.
(٢) الطلاق : ٤.