العلماء في بناء القياس على المناسب المؤثر ، ويسمّون القياس بناء عليه قياسا في معنى الأصل. (١)
أقول : لو كان محط النزاع هو هذا القسم فهو ليس من القياس بشيء ، فإنّه إذا نصّ الشارع بأنّ الحكم نابع عن هذا الأصل ، فلا يبقى هناك شكّ في أنّ الحكم يدور مداره من غير فرق بين الأصل والفرع بل لا أصل ولا فرع.
وفسّروا الثاني ـ أي المناسب الملائم ـ بأنّه هو الّذي لم يعتبره الشارع بعينه علّة لحكمه في المقيس عليه وإن كان قد اعتبره علّة لحكم من جنس هذا الحكم في نص آخر ، ومثّلوا له بالحديث القائل : «لا يزوّج البكر الصغيرة إلّا وليّها» ففي رأي أصحاب القياس أنّ الحديث اشتمل على وصفين كلّ منهما صالح للتعليل وهو الصغر والبكارة ، وبما أنّه علّل ولاية الولي على الصغيرة في المال في آية : (وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ)(٢) ، وما دام الشارع قد اعتبر الصغر علّة للولاية على المال ، والولاية على المال والولاية على التزويج نوعان من جنس واحد هو الولاية ، فيكون الشارع قد اعتبر الصغر علّة للولاية على التزويج بوجه من وجوه الاعتبار ، وبهذا يقاس على البكر الصغيرة من في حكمها من جهة نقص العقل وهي المجنونة أو المعتوهة ، وتقاس عليها أيضا الثيّب الصغيرة.
__________________
(١) مصادر التشريع الإسلامي فيما لا نصّ فيه : ٤٥.
(٢) النساء : ٦.