احتجّ الأوّلون بوجوه (١) :
الأوّل : الحكم إن كان معلّلا بمطلق الحاجة ، كان كلّ حاجة معتبرة ؛ وإن كان لحاجة مخصوصة مع أنّها من الأمور الباطنة فلا يمكن الوقوف على مقاديرها ، وامتياز كلّ مرتبة من المراتب الّتي لا تتناهى عن الأخرى ، فيمتنع التعليل بالمعين الّذي لا يعلم.
الثاني : لو صحّ التعليل بالحكمة لما صحّ تعليله بالوصف ، والتالي باطل فكذا المقدّم.
بيان الشرطية : أنّ الحكم لا بدّ له من فائدة تعود إلى العبد ، للإجماع على أنّ الشرائع مصالح إمّا وجوبا على رأي المعتزلة ، أو تفضّلا على رأي الأشاعرة ؛ فالمؤثّر في الحكم في الحقيقة هو الحكمة ، والوصف إنّما جعل مؤثرا لاشتماله عليها ، فإذا أمكن استناد الحكم إلى الحكمة لم يجز استناده إلى الوصف ، فإنّ كلّ ما قدح في استناده إلى الحكمة قدح في استناده إلى الوصف ، لأنّ القادح في الأصل قادح في الفرع ، ولا ينعكس ، فاستناده إلى الوصف تكثير لإمكان الغلط من غير حاجة ، وهو غير جائز ، ولمّا جاز علمنا تعذّر التعليل بالحكمة.
الثالث : لو جاز التعليل بالحكمة لوجب طلبها ، لأنّه مأمور بالقياس ولا يمكن إلّا عند وجود العلّة ولا يمكن إلّا عند الطلب ، وما يتوقّف عليه الواجب واجب ، والتالي باطل ؛ لأنّ الحكمة لا تعرف إلّا بواسطة معرفة
__________________
(١) ذكرها الرازي في المحصول : ٢ / ٣٨٩.