لأنّا إنّما نشاهد من الجسم لونه وحصوله في مكان معين ومقداره ، فلو جوّزنا قيام الموجود بالمعدوم جوّزنا قيام هذه الصفات بجسم معدوم ، وهو سفسطة.
الثاني : العلّة يجب أن تتميّز عمّا ليس بعلّة سواء أريد بها المعرّف أو الداعي أو المؤثر. والتمييز عبارة عن تخصيص كلّ من المتميّزين عن صاحبه بحيث لا يكون تعيّن هذا حاصلا لذلك ، وبالعكس. وهذا إنّما يعقل في الأمور الثبوتية ، فإنّ العدمات نفي محض وعدم صرف لا يعقل فيها الامتياز والتخصيص.
الثالث : العدم إن عرى عن جميع النسب من كلّ وجه لم يكن مختصا بذات دون أخرى ولا بوقت دون آخر ، فلا يكون علّة لحكم معيّن ، ولا في شخص معين. وإن كان له انتساب بوجه ما كان ذلك الانتساب ثبوتيا لكونه نقيض اللّاانتساب ، فيكون العدم موصوفا بالثبوت وهو محال.
الرابع : المجتهد إذا بحث عن العلّة لم يجب عليه سبر الأوصاف العدمية لعدم تناهيها ، ويجب عليه سبر كلّ وصف يمكن أن يكون علّة ، فإذن الوصف العدمي لا يصلح للعلّيّة.
الخامس : قوله تعالى : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى)(١) والعدم نفي محض ، فلا يكون من سعيه فلا يترتب الحكم عليه ، لأنّ كلّ حكم فإنّه يحصل للإنسان بسببه جلب نفع أو دفع ضرر ، فالعدمي لا يكون علّة.
__________________
(١) النجم : ٣٩.