الثالث : أن يكون القياس عليه موافقا للقياس على أصول أخر.
والوجه أنّ الوارد بخلاف قياس الأصول إن كان مقطوعا به كان أصلا بنفسه ، لأنّه المراد بالأصل في هذا الموضع ، فساوى القياس عليه القياس على غيره ، فوجب أن يرجّح المجتهد بين القياسين.
وتوضيحه : أنّ العموم إذا لم يمنع من قياس يخصّه فأولى أن لا يكون القياس على العموم مانعا من قياس يخالفه ، لأنّ العموم أقوى من القياس.
احتجّ المخالف : بأنّ الخبر يخرج من القياس ما ورد فيه ، وما عداه باق على قياس الأصول.
واعترض (١) : بأنّه إذا خرج ما ورد فيه ودلّت أمارة على علّيّته اقتضى إخراج ما شاركه في تلك العلّة. ثمّ ليس بأن لا يخرج لشبهه بالأصول بأولى من أن يخرج لشبهه بالمنصوص عليه. أمّا إذا كان غير مقطوع به فإن لم يكن علّة حكمه منصوصة ، وإلّا كان القياس عليه أقوى من القياس على الأصول ، فالقياس على الأصول أولى من القياس عليه ، لأولوية القياس على ما طريق حكمه معلوم على ما لا يكون الطريق معلوما. وإن كانت منصوصة استوى القياسان ، لاختصاص القياس على الأصول بعلم طريق حكمه ، وإن كان طريق علّته غير معلوم بل مظنون وهذا بالعكس فقد حصل لكلّ منهما مزية قوة.
وإذا عرفت أنّ شرط حكم الأصل أن لا يكون معدولا به عن سنن
__________________
(١) المعترض هو الرازي في المحصول : ٢ / ٤٢٩ ـ ٤٣٠.