الثاني : لو صرّح أهل اللغة وقالوا : «قيسوا» لم يجز القياس ، كقوله : «أعتقت غانما لسواده» ثمّ يقول : «قيسوا» فإنّه لا يجوز ، فإذا لم يجز عند التصريح بالأمر بالقياس ، فمنع الجواز مع أنّه لم ينقل عن أهل اللغة نص في ذلك أولى.
الثالث : القياس إنّما يجوز عند تعليل حكم الأصل المتوقّف على المناسبة ، وهي منفية بين اللفظ والمعنى ، وإذا امتنع التعليل امتنع القياس.
الرابع : وضع اللغة ينافي جواز القياس فإنّهم لم يطردوا الأسماء مع الاتّفاق فيما يظن علّة ، فقد سمّوا الفرس الأسود أدهم ولم يسمّوا الحمار الأسود به ، وسمّوا الفرس الأبيض أشهب دون الحمار الأبيض ، و [سمّوا] صوت الفرس : «صهيلا» وصوت الحمار : «نهيقا» وصوت الكلب : «نباحا» ، والقارورة سمّيت به للاستقرار ، وهو (١) موجود في الحياض والأنهار مع انتفاء التسمية ، والخمر سمّي باسمه لمخامرتها العقل ، ثمّ المخامرة حاصلة في الأفيون وغيره مع انتفاء الاسم ، والقطع في الأنف يسمى جدعا دون غيره.
اعترض (٢) على الأوّل. أنّه تعالى لم يبيّن أنّه علّم الكلّ توقيفا فجاز أن يكون البعض توقيفا والبعض الآخر تنبيها بالقياس ، أو أنّ آدم علمها توقيفا وعلمناها نحن قياسا كالقبلة قد تدرك حسا واجتهادا.
__________________
(١) أي ذلك المعنى الحاصل من التسمية.
(٢) المعترض هو الرازي في المحصول : ٢ / ٤٢١.