الثالث. ظن البقاء أغلب من ظن التغيّر ، لأنّ الباقي لا يتوقّف على أكثر من وجود الزمان المستقبل ومقارنة الباقي له ، وأمّا التغيّر فيتوقّف على وجود الزمان المستقبل ، وتبدّل الوجود بالعدم ، أو بالعكس ؛ ومقارنة الوجود أو العدم بذلك الزمان. والمتوقّف على شيئين أغلب ممّا يتوقف عليهما وعلى ثالث.
الرابع (١) : العلم بتحقّق أمر في الحال يقتضي ظنّ بقائه في الاستقبال ، لأنّ الباقي مستغن عن المؤثّر والحادث مفتقر إليه ، والمستغني عن المؤثّر راجح الوجود بالنسبة إلى المفتقر إليه. أمّا استغناء الباقي ، فلأنّه لو افتقر إلى المؤثّر لكان المؤثّر إمّا أن يصدر عنه أثر أو لا.
والثاني مؤدّ إلى التناقض من حيث فرض المؤثّر وعدم التأثير.
وأمّا الأوّل فالأثر الصادر عنه إمّا أن لا يكون هو الموجود ، أو لا بل أمر متجدّد ، فلم يكن المؤثر مؤثّرا في الباقي بل في أمر حادث ، وأمّا الباقي فإنّه مستغن عنه ؛ أو يكون هو الموجود أو لا ، وهو تحصيل الحاصل ؛ أمّا احتياج الحادث فبالضرورة ، وأمّا رجحان المستغني عن المؤثر على المفتقر إليه ، لأنّ المستغني لا بدّ وأن يكون الوجود به أولى ، إذ لو كان الوجود مساويا للعدم لاستحال الرجحان إلّا بمنفصل ، فكان يلزم افتقاره إلى المؤثر ، وقد فرضناه مستغنيا عنه ؛ هذا خلف. فإذن وجود الباقي راجح على عدمه.
__________________
(١) هذا الوجه ذكره الرازي في المحصول : ٢ / ٥٤٩.