قلنا : ان عنيت بتحصيل الحاصل أن يجعل عين الوجود أوّلا حادثا في الثاني ، فهو محال قطعا ، لكن نمنع أن يكون استناد الباقي [إلى] المؤثر يوجبه. وإن عنيت أنّ الوجود الّذي صدق عليه في الزمن الأوّل أنّه إنّما ترجّح لهذا المؤثر ، صدق عليه في الزمن الثاني أيضا أنّه ترجّح لهذا المؤثر منعنا استحالته.
سلّمنا أنّ ما ذكرتم يدلّ على استغناء الباقي لكن يعارضه أنّ الباقي حال بقائه ممكن لإمكانه حال الحدوث ، والإمكان من اللوازم ، وكلّ ممكن له مؤثر ، فالباقي حال بقائه له مؤثر. وأمّا افتقار الممكن إلى المؤثر ، فلأنّه لمّا استوى طرفاه ، افتقر في ترجيح أحدهما إلى مؤثر.
لا يقال : يجوز أن يكون الإمكان إنّما يحوج إلى المؤثر بشرط الحدوث ، وهو منتف حالة البقاء ، فلا يتحقّق الافتقار.
لأنّا نقول (١) : لا يجوز جعل الحدوث معتبرا في تحقق الاحتياج ، لأنّ معناه مسبوقية الشيء بالعدم ، ومسبوقية الوجود بالعدم صفة للوجود ، فتكون صفة الوجود متأخّرة عنه بالذات تأخر الصفة عن موصوفها ، فالحدوث متأخر عن الوجود والمتأخر عن الإيجاد المتأخّر عن احتياج الأثر إلى المؤثر المتأخّر عن علّة احتياجه إليه ؛ فلو كان الحدوث معتبرا في ذلك الاحتياج إمّا بأن يكون علّة له ، أو جزءا منها ، أو شرطا فيها ، لزم الدور.
سلّمنا ، استغناء الباقي وافتقار الحادث ، لكن نمنع رجحان المستغني.
__________________
(١) ذكر الرازي الإشكال وأجاب عنه في المحصول : ٢ / ٥٥٢ ـ ٥٥٣.