فالضروري لا يطالب بالدّليل عليه ، وإن لم يكن صادقا لم يطالب بالدليل أيضا ويكفي المنع في انقطاعه حيث إنّه لا يقدر على تحقيق الضرورة في ذلك والنظر لا يدّعيه ، وإن ادّعى العلم بنفيه لا بالضرورة فلا بدّ له من طريق يفضي إليه ، إذ حصول علم غير ضروري من غير طريق مقتض إليه محال ، وإذا وجب أن يكون عن طريق وجب عند الدعوى والمطالبة بدليلها ذكره لينظر فيه كما يجب على مدّعي الإثبات.
وبالجملة فإنّ الممكن متساوي الطرفين ، فلا يجوز الحكم بأحدهما إلّا لمرجح هو الدّليل ، ولا فرق بين طرفيه في ذلك بالضرورة وقد وقع الإجماع على وجوب إقامة الدليل على مدّعي الوحدانية وقدم الله مع أنّ حاصل دعوى الوحدانية نفي الشريك ، وحاصل دعوى القدم نفي الحدوث والأولية ، وقد نبّه الله تعالى في قوله : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا)(١) على ذكر دليل على النفي.
ولو لم يطالب النافي بالدليل ، لزم أن يدّعي كافر نفي النبوّة ونفي الصانع ولا يطلب منه الدّليل ، وهو باطل إجماعا.
وأيضا لو سقط الدليل عن النافي لم يعجز المثبت عن تعبير مقصوده الإثباتي بالنفي ، فيقول بدل قوله : محدث : ليس بقديم ، وبدل أنّه قادر : ليس بعاجز.
احتجّوا بوجهين :
__________________
(١) الأنبياء : ٢٢.