لا يقال : ما ذكرتموه فرع تصوّر وجود المناسب المرسل ، وهو غير متصور. لأنّا أجمعنا على أنّ هناك مصالح معتبرة في نظر الشرع في بعض الأحكام ، وأي وصف قدر من الأوصاف المصلحية فهو من جنس ما اعتبر فكان من قبيل الملائم الّذي أثر جنسه في جنس الحكم ، وقد قلتم به.
لأنّا نقول (١) : كما أنّه من جنس المصالح المعتبرة فهو من جنس المصالح الملغاة ، فإن لزم من كونه من جنس المعتبر اعتباره لزم من كونه من جنس الملغى بالنظر إلى حكم واحد ، وهو محال.
فإذن لا بدّ من كونه معتبرا بالجنس القريب منه لنأمن إلغاءه ، فيما إذا لم يكن كذلك.
واحتجّ مالك (٢) بأنّ كلّ حكم يعرض فإمّا أن يستلزم مصلحة خالية عن المفسدة ، أو مفسدة خالية عن المصلحة ، أو يكون خاليا عن المصلحة والمفسدة بالكلّية ، أو يكون مشتملا عليهما معا ، وهذا على ثلاثة أقسام :
أن يكونا متساويين ، أو تكون المصلحة راجحة ، أو المفسدة. فالأقسام ستة :
الأوّل : أن يستلزم مصلحة خالية عن المفسدة ؛ وهذا يجب في الحكمة أن يكون مشروعا ، لأنّ المقصود من الشرائع رعاية المصالح.
الثاني : أن يستلزم مصلحة راجحة ؛ وهذا لا بدّ وأن يكون أيضا
__________________
(١) ذكره الآمدي في الإحكام : ٤ / ١٦٨.
(٢) نقله عنه الرازي في المحصول : ٢ / ٥٧٩ ـ ٥٨٠.