التقدير الثاني ، كما لا ينسب شرعه صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى من هو متعبّد بشرعه من أمته ، وهو خلاف الاجماع.
لا يقال : ما ينسب إليه ممّا كان متعبّدا به من الشرائع أنّه من شرعه بطريق التجوّز لكونه معلوما لنا بواسطة وإن لم يكن هو الشارع له.
لأنّا نقول : إنّه ترك الظاهر المشهور المتبادر إلى الفهم من غير دليل فلا يسمع.
السادس : إجماع المسلمين على أنّ شريعة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ناسخة لشريعة من تقدّم ، فلو كان متعبّدا بها لكان مقررا لها ومخبرا عنها ، لا ناسخا لها ولا مشرعا ، وهو محال.
لا يقال : نحن نقول بذلك وإن كان من شرعه مخالفا لشرع من تقدّم فهو ناسخ له ، وما لم يكن من شرعه بل كان متعبّدا فيه بشرع من تقدّمه فلا ، ولهذا لا يوصف شرعه بأنّه ناسخ لبعض ما كان مشروعا قبله لوجوب الإيمان وتحريم الكفر والزنا والقتل والسرقة وغيرها ممّا اتّفق فيه الكلّ.
لأنّا نقول (١) : إطلاق الأمّة بأنّ شرع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ناسخ للشرائع السالفة يفهم منه أمران : رفع أحكامها ، وأنّها غير متعبّد بها. فما لم يثبت رفعه من تلك الأحكام بشرعه لا يكون ناسخا له. فيبقى المفهوم الآخر ، وهو عدم تعبّده به ، فلا يلزم من مخالفة دلالة الدليل على أحد مدلوليه مخالفته بالنظر إلى المدلول الآخر.
__________________
(١) ذكره الآمدي في الإحكام : ٤ / ١٥١.