الخامس : خلق الأعيان لا لحكمة باطل ، لقوله تعالى : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً)(١) و (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ)(٢) ؛ ولأنّ الفعل الخالي عن الحكمة عبث ، والعبث لا يليق بالحكيم.
وإن كان لحكمة فإمّا عود النفع إليه ، وهو محال ، لاستحالة النفع عليه ؛ أو إلينا ، وهو المطلوب ، وهذا يقتضي أن يكون المقصود من الخلق نفع المحتاج. وإذا كان كذلك كان نفع المحتاج مطلوب الحصول أين ما كان. فإن منع منه فإنّما منع ، لأنّه بحيث يلزمه رجوع ضرر إلى محتاج.
فإذا نهى الله تعالى عن بعض الانتفاعات علمنا أنّه تعالى إنّما منعنا منها للعلم باستلزامها للمضار حالا أو مستقبلا ، ولكن ذلك على خلاف الأصل ، فثبت أنّ الأصل في المنافع الإباحة.
قال فخر الدين الرازي (٣) ـ ونعم ما قال ـ : تحقيق القول فيه لا يتمّ إلّا مع القول بالاعتزال.
وأمّا الأصل الثاني وهو أصالة تحريم المضار فيستدعي بيان أمرين (٤) :
الأوّل : تحقيق ماهية الضرر.
الثاني : الدليل على تحريمه.
__________________
(١) المؤمنون : ١١٥.
(٢) الدخان : ٣٨.
(٣) المحصول : ٢ / ٥٤٦.
(٤) ذكرهما الرازي في المحصول : ٢ / ٥٤٧ ـ ٥٤٩.