أمّا الأوّل. فقالوا : إنّه ألم القلب ، لأنّ الضرب وتفويت منفعة الإنسان والشتم والاستخفاف يسمّى ضررا ، فلا بدّ من معنى يشترك فيه يكون لفظ الضرر موضوعا بإزائه دفعا للاشتراك والمجاز ، وألم القلب معنى يشترك فيه فيكون حقيقة فيه.
اعترض بأنّ ألم القلب إن عنيت به الغم والحزن ، فهو باطل ، لأنّ من أتلف ثوب غيره أو ملكه والمالك غافل يقال : إنّه قد أضرّ به مع انتفاء الألم والحزن ؛ وإن عنيت به شيئا آخر فبيّنه. نزلنا عن الاستفسار فلم قلتم : الضرر ألم القلب.
قوله : لا بدّ من معنى مشترك في مواضع الاستعمال.
قلنا : لم قلت إنّه لا مشترك إلّا ألم القلب ، بل هنا أمر آخر وهو تفويت النفع ، وهو أولى ، لأنّ النفع مقابل الضرر ، والنفع تحصيل المنفعة فوجب أن يكون الضرر إزالتها فلا يكون حقيقة فيما قلتم دفعا للاشتراك.
سلّمنا أنّ ما ذكرتم يدلّ على أنّ الضرر ألم القلب ، لكنّه معارض بالمتلف مع غفلة المالك ، فإنّ الضرر موجود والألم مفقود لاستلزام ألم القلب الشعور.
ولقوله تعالى : (قالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ)(١) أخبر أنّ عبادة الأصنام لا تضرّهم مع أنّها تؤلم قلوبهم يوم القيامة ، لأنّهم يعاقبون بذلك.
__________________
(١) الأنبياء : ٦٦.