المسألة لا بدّ للحكم الشرعي من دليل ، ولم يوجد دليل ، لأنّي اجتهدت في الطلب فلم أظفر به ، وهو يدلّ على العدم ، أو يقال : ولم يوجد دليل ، لأنّ الأدلّة كانت معدومة في الأزل ، والأصل في كلّ معدوم بقاؤه على العدم.
وإذا ثبت هذا حصل ظن عدم الدليل ، فيتولد من القطع بأنّه لو وجد الحكم لوجد دليله ، ومن ظن عدم وجوده ظن عدم الحكم ، والعمل بالظن واجب. وإذا كفت المقدّمتان كان إيرادهما على هذا الوجه أولى ، إذ كلّ مقدّمة يتوقّف الدليل عليها لو كفت في الإنتاج ، كان الاستدلال بها ابتداء أولى.
والاعتراض من وجوه (١) :
الأوّل : حصرت الأدلّة في النصّ والإجماع والقياس ، وهو غير تام ، لأنّك ذكرتها دليلا فيها وليست أحدها ، فيلزم إمّا أن لا يكون هذا الكلام دليلا في المسألة ليتم الحصر ، أو يبطل الحصر ليتمّ كونه دليلا.
لا يقال : نحن قلنا دليل الحكم الشرعي إمّا نص أو إجماع أو قياس ، ومدلول دليلنا انتفاء الصحّة ، وقد كان حاصلا قبل الشرع ، فالإخبار عنه يكون إخبارا عن أمر لا تتوقّف معرفته على الشرع فلا يكون شرعيا.
ولأنّا لا ننفي الصحّة إلّا بالإجماع لانعقاده على نفي الحكم عند عدم هذه الأشياء ، فيكون الدليل هو الإجماع.
__________________
(١) ذكرها الرازي في المحصول : ٢ / ٥٨٤ ـ ٥٨٥.