أقول : سواء أفسّر الاعتبار بالاتّعاظ أم بالعبور من شيء إلى شيء ، فإنّ المرمى في كليهما واحد ، لأنّ الاتّعاظ أيضا لا يخلو من العبور ، أي العبور ممّا شاهد إلى ما لم يشاهد.
وبذلك يظهر أنّ النزاع في قوله : (فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ) نزاع لا طائل تحته. إنّما الكلام في كون الاعتبار بالمسائل الكونية الّتي هي سنن الله سبحانه ، هل هي من مقولة القياس أو لا صلة لها به؟
والتحقيق هو الثاني ، وذلك لأنّ من شرائط العمل بالقياس هو أن لا يكون الدليل الدالّ الّذي دلّ على العلّة ، متناولا حكم الفرع لا بعمومه ولا بخصوصه ، فإذا كان الدليل الدالّ على العلّة شاملا للفرع والأصل في درجة واحدة غير أنّ أحد المصداقين كان ملموسا والآخر غير ملموس ، فهذا خارج عن كونه قياسا ، والمقام من تلك المقولة.
توضيحه : انّ الآية بصدد بيان سنّة الله في الظالمين من غير فرق بين بني النضير وغيرهم ، وأنّ إجلاء بني النضير من قلاعهم وتخريبهم بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين كان جزاء لأعمالهم الإجرامية ومن مصاديق تلك الضابطة الكلّية ، حيث إنّه سبحانه وتعالى يعذب الكافر والمنافق والظالم بألوان العذاب ولا يتركه ، فليس هناك أصل متيقّن ولا فرع مشكوك حتّى نستبين حكم الثاني من الأوّل بواسطة المشابهة ، بل كلّ ذلك فرض على مدلول الآية.
وكم لها من نظائر في القرآن الكريم ، قال سبحانه : (فَسِيرُوا فِي