ففي المشتبه لا ندري بأنه هل فيه المفسدة حتى نهى عنه أولا فلا يجوز الارتكاب؟
أقول : بأنه على ذلك ليس الاستدلال بهذا الوجه ، بل يرجع الى الوجه الأول وقلنا جوابه.
وأمّا ثانيا بأنّه لنا الدليل على الترخيص في الأشياء ولو كان كلّها ملكا لله تعالى ، مثل قوله عزّ من قال : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً ...) وغير ذلك ، فهذا الدليل لو تمّ يمكن الاستدلال به على الحظر قبل ورود الشرع ، وأما بعد ورود الشرع فلا ؛ لأنّ قبل ورود الشرع ليس للمكلّف دليل على الترخيص ، فبمقتضى هذا الاستدلال على تقدير تماميّته لا يجوز الارتكاب إلّا بعد الترخيص ، بخلافه بعد الشرع وبعثة النبي ، لأنّه لنا الدليل على الترخيص مثل ما قلنا ، أو ما قال عزّ من قائل : (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) وعليه فهذا الدليل لم يفد الحظر فيما نحن فيه.
وثالثا : مع قطع النظر عن كلّ ذلك لا يمكن التمسّك بهذا الدليل لما نحن فيه ، إذ هذا الدليل على تسليم تماميّته لا يدلّ إلّا على أنّ التصرف لا يجوز إلّا بالإذن ، فلو نعلم بعدم الإذن لا بدّ من الالتزام بعدم جواز التصرف ، وأمّا لو شككنا في أنّه هل أذن أم لا؟ فلا يمكن التمسّك بهذا الدليل والقول بعدم جواز التصرف ؛ لأنّ هذا الدليل لا يكون متكفّلا لحكم هذه الجهة ، لأنّه يكون شبهة مصداقية ولا يمكن التمسك بالعام في الشبهات المصداقية ، كما ترى في عموم «لا يحلّ مال امرى مسلم إلّا من طيب نفسه» ، فلو شككنا في أنّه في هذا المصداق هل يكون طيّب النفس أم لا؟ فلا يجوز التمسّك بعمومه لعدم جواز التصرف في هذا المصداق المشتبه ، بل لو قلنا بجواز التصرف أو عدمه في هذا المصداق نقول بدليل آخر لا بعموم «لا يحلّ ... الى آخره».
ففي المقام أيضا لا يمكن التمسّك بهذا الدليل ؛ لأنّ النزاع لا يكون فيما علم عدم