يظفر بالحكم فلا يمكن عقابه ؛ لأنّه ولو أنّ الشارع عمل بوظيفته وبيّن الحكم لكن لم يصل الى العبد ، والعبد تفحّص ولم يظفر به ، فمع ذلك يكون عقابه عقابا بلا بيان ، والمؤاخذة عليه بلا برهان ، وليس للعبد إلّا الفحص.
نعم ، لو لم يتفحّص عن الحكم يكون مستحقّا للعقاب لو كان حكم ، وأمّا لو تفحّص ولم يظفر بالحكم فيكون عقابه قبيحا عقلا ، وهذا هو مضمون الخبر الشريف من أنّه في يوم القيامة يسأل عن العبد بأنّه «هلّا علمت» فإن قال : «ما علمت» قال : «هلّا تعلمت» ، فلو تفحّص ولم يظفر بالحكم لم يكن لله عليه حجّة ، وهذه القاعدة ممّا لا إشكال فيها ، وفي المورد ـ أعني محلّ الكلام ـ أيضا لا يكون جريانه مع قطع النظر عن قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل لمورد الإشكال.
فإذا كان كذلك فنقول : لا يمكن جريان قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل في المقام حتى يقال بأنّه بيان ، وبعد البيان لا يكون العقاب قبيحا ، لأنّ مورد قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل وموضوعه يكون هو الاحتمال ، بمعنى أنّه لو كان احتمال الضرر يجب دفعه واحتمال الضرر ليس في المقام إلّا إذا كان بيان ، وإلّا لو لم يكن بيان فلا إشكال في قبح العقاب ، والمفروض أنّ ما يتوهّم أن يكون بيانا ليس إلّا قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل ، والمفروض أنّ موضوع تلك القاعدة هو الاحتمال ، والمفروض أنّ الاحتمال لا يكون إلّا بعد البيان ، فيلزم الدور وتوقّف الشيء على نفسه ؛ لأنّ الحكم موقوف على الموضوع ، والموضوع لا يكون إلّا بعد الحكم ، ففي ما نحن فيه يكون الحكم ـ أعني وجوب دفع الضرر ـ موقوفا على موضوعه وهو الاحتمال ، والموضوع وهو الاحتمال لا يكون إلّا بعد الحكم ؛ لأنّه ما لم يكن بيان يكون العقاب قبيحا ، والبيان لا يكون في الفرض إلّا وجوب دفع الضرر المحتمل ، ووجوب دفع الضرر لا يكون إلّا مع الاحتمال ، والاحتمال لا يكون إلّا مع وجوب دفع الضرر ؛ لأنّه لا احتمال إلّا مع البيان ، ولا بيان على الفرض إلّا بهذه القاعدة ،