ومما قلنا ظهر لك أنّ النسبة بين أدلة الأحكام المتكفّلة للأحكام الواقعية مع الطرق والأمارات هي الحكومة ، يعني تكون أدلة الطرق والأمارات حاكمة عليها ولا تكون النسبة الورود ؛ لأنّه بعد ما قلنا من أنّ الورود عبارة عن التصرف في الموضوع والتوسعة في الموضوع تعبدا ، والحكومة عبارة عن التصرف في الحكم تعبدا لا الموضوع فحيث يكون العلم بالواقع موضوعا للحكم بخصوصية العلم فالموضوع الواقعي هو العلم ، غاية الأمر من باب كونه كاشفا عن الواقع ، لكن مع ذلك ما هو الموضوع هو العلم ، وبعد ما قلنا من أن دليل التنزيل ينزّل الطريق والأمارة منزلة العلم في الكاشفية فالطريق بما هو كاشف يكون بعد التنزيل كالعلم حكما في كشفه عن الواقع فيكون الموضوع للحكم الواقعي هو العلم ، ولكن بعد التنزيل يكون الطريق أو الأمارة في حكم العلم فتكون النسبة هي الحكومة لا الورود ، فافهم.
هذا كلّه في قيام الطرق والأمارات منزلة العلم ، وعرفت تفصيله من قيامها مقام العلم الطريقي الصرف والعلم الموضوعي المأخوذ على وجه الكاشفية ، ولا تقوم مقام العلم الموضوعي على وجه الصفتية.
وأمّا الكلام في قيام الاصول مقام العلم فنقول : إنّ الاصول على قسمين : قسم ليس فيها جهة نظر الى الواقع وكشف الى الواقع ، بل تكون اصولا عملية وليس دليلها دالّا إلّا على لزوم الجري العملي على طبقها بدون لحاظ الواقع فيها ، وليس فيها حيث إحراز الواقع والنظر اليه ، بل هي اصول تجري في مقام الجهل بالواقع بلا نظر الى الواقع ، بل تكون في قبال الواقع أحكاما عملية ، كأصالة البراءة وأصالة الطهارة ، وهذا القسم لا كلام فيه في عدم قيامها منزلة العلم أصلا ، لعدم جهة كشف ومرآتية للواقع فيها أصلا ، ويدخل في هذا القسم الاحتياط لأنه أيضا ليس كاشفا وناظرا الى الواقع ، بل هو عين الواقع فبالعمل به عمل بنفس الواقع لا بما هو طريق الى الواقع.