ولو تنزيلا فيكون ناظرا الى غيره ، حيث الذي يكون دليل المحكوم راجعا اليه ، مثلا اذا قال : «أكرم العلماء» وورد دليل على عدم كون زيد منهم ورد الحال أنّه عالم فيكون لسان الدليل تنزيله منزلة غير العلماء ، فلسان المحكوم ناظر الى إكرام العلماء ، ولسان دليل الحاكم ناظر الى عدم كون زيد عالما ، فهو ناظر الى الموضوع وراجع الى أمر آخر غير ما يكون دليل المحكوم راجعا اليه ، فعلى هذا ليس بين الدليلين تعارض أصلا ؛ لما قلنا من كون كلّ منهما راجعا الى غير ما يكون الآخر راجعا اليه.
ومن هنا يظهر لك أمر ، وهو : أنّه لا يعتبر في الحكومة إلّا ما قلنا من كون دليل الحاكم راجعا وناظرا الى ما يكون دليل المحكوم راجعا وناظرا اليه ، فلا يعتبر فيه أن يكون لسانه لسان أيّ تفصيل ، أو كان شارحا ، فما يظهر من كلام المحقّق الخراساني رحمهالله من اعتبار ذلك كما توهّم ذلك من ظاهر كلام الشيخ رحمهالله لا وجه له ، فافهم.
ونقول لك توضيحا : إنّ الفرق بين الحكومة والتخصيص هو : أنّ في الثّاني يكون إخراج عن الحكم ، لا الموضوع ، وفي الحكومة ولو كان الإخراج عن الحكم لكن الإخراج عن الحكم بلسان نفي الموضوع ، وهذا قسم من الحكومة.
ويمكن أن يكون للحكومة قسم آخر ، وهو : أن يكون الإخراج عن الحكم ، ولكنّ هذا الإخراج يكون عن إخراج الحكم الثابت ، مثلا يمكن أن يكون من هذا القبيل «لا ضرر» بالنسبة الى الأحكام بعناوينها الأولية ، فإنّ لسان «لا ضرر» نفي الحكم الثابت ، فهو ناظر الى الحكم الثابت ، لا أن يكون ناظرا لدليل آخر وليس هذا تخصيصا ، لأنّ في التخصيص كما قلنا الإخراج عن الحكم ، سواء كان الحكم الآخر ثابتا أم لا.
اذا عرفت ما تلونا عليك وأنّه لا إشكال في تقدم الأمارات على الاصول ، سواء كان وجهه الورود ، أو الحكومة ، أو التخصيص ، لأنّه لو لم يكن تقدمها على الاصول من باب الورود أو الحكومة فلا أقلّ من كون نسبة أدلتها لأدلّة الاصول