فالآن نستصحب كونه كذلك سابقا بحيث لو لم يغل لم يحرم ، فنستصحب فيقع التعارض بين الاستصحابين ، وكان المحقّق الخراساني رحمهالله نظره الى هذا الاستصحاب ، فقال بأنّه لا تعارض بينهما أصلا ، لأنّ كلّا منهما يكون على موضوع خاصّ غير موضوع الآخر ، لأنّ موضوع أحدهما عدم الغليان ، والآخر الغليان ، فكما أنّه لو قطعنا بأنّ هذا الجسم في حال عدم الغليان حلال وفي حال الغليان حرام لم يكن تناف وتعارض بين الموضوعين ، كذلك في استصحابهما لأنّ بوجود موضوع كلّ منهما ينتفي موضوع الآخر فلا يبقى التعارض ، فإن كان التعارض كذلك فقد أجاب عنه ، ولكن في المقام استصحاب آخر وهو ما نريد أن نقوله الآن.
الثاني : وهو ما يكون مراد الشيخ رحمهالله ، وهو : أنّ هذا الجسم كان حلالا ذاتا فبعد الغليان نشكّ في بقاء حلّيته ، فببركة الاستصحاب نحكم بالحليّة ، والاستصحاب التعليقي أيضا يجري فيقع التعارض.
فإن كان الاستصحاب الفعلي هو ما قاله الشيخ رحمهالله فلا يكفي في رفع التعارض ما ذكره المحقق الخراساني رحمهالله من كون موضوع كلّ من الاستصحابين غير الآخر ؛ لأنّ بعد كون هذا الجسم حلالا مع قطع النظر عن الطوارئ فهذا الحكم ببركة الاستصحاب باق حتى في صورة الغليان ، فيقع التعارض بين الاستصحاب الفعلي والتعليقي. ولكن لا يخفى عليك أيضا بأنّ الاستصحابين ليسا سببيا ومسبّبيا ، بل كلّ منهما ضدّ للآخر ، فلا وجه لما قاله النائيني رحمهالله.
بل ما يمكن أن يقال هو : أنّ المستصحب لو كان موسّعا ، بمعنى أنّ هذا الجسم حلّيته غير مقيدة بشيء وكانت مطلقة وللتعارض مجال ، وأمّا لو كان المستصحب من أول الأمر مضيقا فلا يجري استصحاب الفعلي مع وجود موضوع استصحاب التعليقي ، وبالعكس ، وفي المقام يكون كذلك ، لأنّ الحلية من أول الأمر مقيدة بعدم الغليان ، ففي حال الغليان لا يجري استصحاب الفعلي حتى يقع التعارض ، فتدبّر.