ولكن لا يخفى عليك أنّ الشيخ رحمهالله لم يكن مقصوده ذلك ، بل كان مراده أنّنا حيث لم نكن ملتفتين لتمام الجهات وتكون عقولنا قاصرة عن إدراك الجهات المحسّنة والمقبّحة ، فبمجرّد أن لا نرى في عقولنا ما يوجب الاستحالة نحكم بالإمكان ، وهذه طريقة العقلاء حيث إنّهم في الحكم بالإمكان يكون ديدنهم كذلك ، لا أنّ الأصل في مورد الشك في الإمكان والاستحالة يكون هو الإمكان ، بل العقلاء يحكمون بالإمكان بمجرّد عدم ما يوجب الاستحالة عند عقولهم ، وهذا غير ما يقال من أن الأصل في الشك هو الإمكان ، وبعد ما قلنا لو تراجع كلامه يظهر فساد النسبة وأنّ كلامه هو ناظر الى ما قلنا.
ثمّ إنّه لا إشكال في أنّ النزاع في الإمكان الوقوعي ، والّا فالإمكان الذاتي لا يكون محلّ إشكال ولا يلزم منه محذور.
إذا عرفت ذلك فيظهر من كلام ابن قبّة عدم إمكان التعبّد بالخبر الواحد ، ويجري كلامه في التعبد بمطلق الظنّ ، فإنّه يقال : لا يجوز التعبّد بالخبر لوجهين :
الوجه الأول : أنّه لو جاز التعبد بالخبر الواحد في الإخبار عن النبيّ لجاز ذلك في الإخبار عن الله ، والثاني باطل إجماعا ، فالمقدّم مثله.
وقد أجاب الشيخ عن هذا الاستدلال : بأنّه انعقد الإجماع على عدم وقوع الإخبار عن الله بالخبر الواحد ، لا على امتناع الوقوع. وقال المحقّق الخراساني رحمهالله :
بأنّه لا معنى للإجماع هنا ، ولم يكن المقام ممّا يجري فيه الإجماع بل لم يقع الإخبار عن الله بالخبر الواحد والالتزام به.
ولكن لا يخفى عليك أنّ ابن قبة لم يكن مراده من الإجماع الإجماع المصطلح ، وأنّ الإجماع التعبدي قام على عدم جواز إخبار عن الله تعالى ، بل يكون مراده أنّ من المسلّم عند المتكلّمين أنّ مدّعي النبوة لا بدّله من المعجزة أو إخبار نبيّ سابق ، ولا يسمع قوله بمجرّد دعوى النبوة ، فالمناط الذي يلتزمون لأجله بلزوم الدليل من