ومبناه في مقام العمل ، بل يكون إبداء هذه الاحتمالات لرفع التنافي ورد طعن العامّة العمياء ، ولهذا لا يمكن أخذ الفتوى من محتملاته ، ولا يمكن أن يقال : إنّ فتواه هو ما احتمل في الأخبار المتعارضة ، كيف والحال أنّ فتواه على خلاف محتملاته في بعض الموارد أولا ، وتكون الاحتمالات كلّ منها مخالفا للآخر ثانيا؟ فلا يمكن أن يكون كلّها فتواه.
فظهر لك أنّ نظرهم الى التفوه بهذا الكلام هو رفع التنافي بين الأخبار المتعارضة ، لا أن يكون هذا الجمع ورفع التنافي منشأ للعمل ، ولكن اشتبه ذلك على بعض المتأخّرين وأجرى هذا الكلام الى ما نحن فيه ، والحال أنّا في المقام نكون في مقام رفع التعارض حتى يصير مبنانا في مقام العمل عليها.
ففي ما نحن فيه في كلّ مورد يمكن الجمع العرفي كما قلنا لك موارده إجمالا ، وكان بحيث لا يرى العرف بين الدليلين تعارضا وتناف فليس من باب التعارض ، وإلّا فيكون من باب التعارض ، ويجري فيه ما يجري في باب التعارض. اذا عرفت معنى التعارض وأنّ أيّ محلّ مورده ، وأيّ محلّ خارج عنه؟ فبعونه تعالى نشرع في المقصود ، يعني في بيان الجهات التي يبحث فيها بعد تعارض الدليلين ، فالكلام في باب التعارض في مواضع :
الموضع الأول :
هو أنّ الدليلين المتعارضين : تارة تكون النسبة بينهما التباين ، بمعنى عدم إمكان صدق مورد من موارد أحدهما في مورد من موارد الآخر ، مثل أن يدل أحدهما على وجوب شيء والآخر على حرمته. وتارة تكون النسبة بينهما العموم من وجه ، مثل أن يدلّ أحدهما على وجوب إكرام العلماء والآخر يدلّ على حرمة إكرام الفسّاق. فهنا مقامان :