نعم ، في مورد واحد يجري الاستصحاب ، وهو ما كان الفرد المقطوع الزوال نسبته مع مشكوك الحدوث نسبة الشيء ذي مراتب ، ولا يكون كلّ منهما بالنسبة الى الآخر فرد مباين ، بل كل منهما مرتبة من مراتب الشيء الواحد ، والسر في ذلك هو : أنّه على هذا يكون هذا الفرد المشكوك أيضا مورد تعلق اليقين في ضمن الفرد المقطوع الزوال ، مثل الخطّ الطويل والقصير ، فالفرد الطويل لو لم يكن الحدّ مأخوذا فيه ، بل اخذ صرف ذاته فهو الفرد القصير مع الزيادة ، لا أن يكون فردا آخر ؛ لأنّ زيادة المقدار بالخطّ القصير يحدث الخطّ الطويل ، فلو تعلق اليقين بوجود الخط الطويل فحيث إن اليقين تعلق بتمام هذا الخط فلو تيقّن بعد ذلك بزوال هذا الخطّ الطويل وشك في أنّه بقي مرتبة ناقصة منه وهو الخط القصير فيكون استصحاب جامع الخط بلا مانع ؛ لأنّ اليقين بالجامع الذي كان سابقا متعلّقا بتمام الخطّ والخطّ القصير أيضا يكون مورد اليقين فيجري الاستصحاب في الجامع.
ولكنّ هذا القسم حقيقة ليس من قبيل استصحاب القسم الثالث ، لأنّ في القسم الثالث لا بدّ وأن يكون فردين : فرد مقطوع الزوال ، وفرد مشكوك الحدوث ، وفي هذا المورد لم يكن كذلك ، نعم ، في مثل هذا المورد أيضا لا بدّ وأن يكون مشكوك الحدوث مرتبة ضعيفة من مقطوع الزوال بنظر العرف ، وإلّا فلو كان بنظرهم فردين لا يجري الاستصحاب ، لأنّه على هذا ما تعلق به اليقين غير هذا الفرد ، ولأجل ذلك لو قطع بزوال الوجوب لا مجال لبقاء الاستحباب ، لأنّه ولو كان الاستحباب عند الدقّة مرتبة ضعيفة من الإرادة والوجوب مرتبة قوية ولكن عند العرف ليس كذلك ، فافهم. هذا كلّه في حال استصحاب الكلي.
وأمّا الكلام في المردّد فاعلم : أنّه على قول المشهور بأنّ الأثر يكون لأحدهما المردّد فلا مجال للاستصحاب ؛ لأنّ الأثر خارجا يكون للأطراف ، لا لأحدهما المردّد ، فاستصحاب المردّد لا فائدة فيه ، مثلا لو استصحب نجاسة أحدهما المردّد بين