التنبيه السادس :
هل يجوز استصحاب أحكام الشرائع السابقة أم لا؟ لا يخفى عليك أنّه مع قطع النظر عن كلام الشيخ والمحقّق الخراساني رحمهالله في المقام فيتصوّر هنا اشكال ، وهو : أنّه مع أنّ معنى التديّن بالدين هو أن يكون الشخص تابعا له ، وكلّما يؤخذ منه فلا بدّ من أن يكون في كلّ شيء من أفعاله وأقواله مرجعا له ، وكلّما يكون في الدين يأخذ به ، وهذا واضح ، ولا إشكال أيضا في أنّ معنى تمامية شريعة ومجيء شرع آخر هو أنّه لا بدّ من التديّن بهذا اللاحق ، فكلّ ما صدر منه لا بدّ من اتّباعه.
وإنّ كلّ نبيّ في كلّ شيء يكون له حكم ، فالشرع اللاحق ولو كان في الحكم موافقا مع السابق ولكن يكون له جعل حكم آخر ، فيكون جعل الحكم الماثل فيما كان في الشرع السابق ، لا أن يكون نفس الحكم الأول باق ، غاية الأمر لو كان موافقا يكون جعله جعلا إمضائيا لا تأسيسيا ، والإمضائي أيضا يكون جعلا ، فعلى هذا ففي كلّ واقعة له جعل آخر غير ما جعل في الشرع السابق ولو كانا متوافقين.
فعلى هذا نقول بأنّه بعد تمامية الدين السابق بمجيء اللاحق فلا بد من التدين بالدين اللاحق ، ومن المفروض أن يكون له جعل جديد في كلّ واقعة ، فلو قطعنا بحكم في الشرع السابق أيضا لا يمكن الأخذ به ، لأنّ بوجود النبيّ اللاحق تمّ شرعه ولا بد من التدين باللاحق وتم أحكامه وللّاحق جعل فلا بد من الأخذ به ، فبعد عدم إمكان الأخذ من السابق بعد وجود اللاحق فكيف يمكن استصحاب حكم الشرع السابق؟ فظهر لك أنّه لا مجال لاستصحاب الشرائع السابقة.
مضافا الى أنّه لا نحتاج هنا الى الاستصحاب ، فبعض الأحكام غير الاسلامية كيف يمكن أخذها من التوراة والإنجيل المحرّفين؟ وببعض آخر لو كان مسلّما يكون في مورده الأمارة أيضا فلا حاجة الى الاستصحاب ، فلا وجه للالتزام بحجية