ولكن يمكن توجيه كلامه بأن يقال : إنّ نظره الى الاصطلاح الحكمي ، ولكن جعل القسمين قسمين لا قسما واحدا إنّما هو لأجل أنّ القسم الأول ليس مجعولا استقلالا ، ولا مجعولا بالتبع والعرض بجعل التكليف ، بل هو مجعول تكوينا عرضا ، فهو مجعول بعرض ما حصل تكوينا.
وأمّا القسم الثاني فهو وإن لم يكن مجعولا لا استقلالا ولا تبعا ولكنّه مجعول بالعرض الى التكليف ، بمعنى أنّه منتزع عن التكليف ، والقسم الأول منتزع عن التكوين ، فلهذا يكون الفرق بينهما ، فجعل كلّ واحد منهما قسما على حدة. وعلى كلّ حال ظهر لك أنّ الجعل باصطلاحنا على ثلاثة أقسام.
اذا عرفت ما بينّا لك من المقدمات فنشرع بعون الله تعالى في أصل المطلب ، فنقول بأنّه كما قال المحقّق الخراساني رحمهالله : يكون الجعل على أقسام :
القسم الأوّل : وهو ما ليس قابلا للجعل التشريعي لا استقلالا ولا تبعا للتكليف ، بل يكون مجعولا تكوينا عرضا ، ويكون من هذا القسم السببية والشرطية والرافعية والمانعية لما هو سبب أو شرط أو رافع أو مانع للتكليف ، وأقام على هذا المدّعى دليلين :
الدليل الأوّل : بأنّه بعد عدم الإشكال في أنّ الأمر الانتزاعي لا بد من تأخره بحسب الرتبة عن المنتزع عنه ، فما هو سبب للتكليف أو شرط له أو رافع أو مانع له كيف يمكن انتزاعها من التكليف المتأخر عنها رتبة ويكون نسبتها كنسبة العلّة الى المعلول بالنسبة الى التكليف؟ لأنّها من أجزاء العلة فكيف ينتزع من المعلول المتأخر عنها؟ وليس هذا إلّا الدور ، لأنّه لا بدّ من أن يكون التكليف متأخرا عنها من حيث إنها بالنسبة اليه من أجزاء العلة ، ويكون التكليف مقدما عليها من حيث إنّها منتزعة منه ، وكذلك فيها فإنّها لا بدّ وأن تكون مقدمة على التكليف من حيث كونها سببا أو شرطا أو رافعا أو مانعا ولا بد أن تكون متأخّرة عن التكليف من حيث