العقاب للتجرّي والثواب للانقياد يكون مراده من التجري في أيّ من الإطلاقين؟ فإن كان مراده هو التجري بالإطلاق الأول فلا شكّ فيه ، ونحن أيضا نعترف بكون العقاب لهذا القسم من التجري ، بل يمكن أن يكون موجبا للكفر أيضا لا للعقاب فقط ، لأنّ هذا العبد معاند ومستخفّ بالمولى.
وإن كان مراده من العقاب على التجري هو التجري بالإطلاق الثاني ـ يعني التجري الذي يتنزع من العمل الخارجي ، مثل أن علم بكون هذا خمر وشربه فيقال : إنّه تجرى على المولى ـ فليس كلامه في محلّه ؛ لأنّ العقل مستقلّ بعدم عقاب على هذا التجري ، ولو كان عقاب فيكون على نفس العمل ، فإن كان العمل حراما واقعا فيستوجب العقاب لمخالفته الواقع لا للتجري ، وليس هذا التجري بعنوان هتك المولى واستخفافه حتى لأجل هذا يحكم العقل بكون ذلك سببا للعقاب بلا إشكال.
والتجري الذي يكون مورد البحث هو التجري بهذا الإطلاق ، لا التجري بالإطلاق الأول فكما قلنا : هذا القسم من التجري يعني ما لا يكون بعنوان الهتك والعداوة مع المولى ليس موجبا لاستحقاق العقاب بحكم العقل ، فدعوى استقلال العقل والوجدان على كون العقاب على التجري إن كان على هذا القسم من التجري يكون دعوى بلا برهان ، والعقل والوجدان مستقلّان على خلافه وعدم العقاب عليه ، فليس عقاب على التجري لعدم كون التجري بهذا المعنى موجبا للعقاب.
ولكن لو صدر منه الفعل بعنوان الإطاعة والانقياد ولو لم يصادف ما تخيّل من كونه واجبا وفعل مع الواقع يعني لم يكن واجبا واقعا ، ولكنّ هذا الانقياد موجب للثواب ؛ لأنّ محرّك هذا الشخص الى الفعل ليس إلّا إطاعة المولى والقيام بوظائف العبودية فحيث أتى هذا الفعل من باب انتسابه الى المولى فنفس ذلك موجب للثواب.
فظهر بذلك الفرق بين الانقياد وبين التجري بالمعنى الثاني ، لأنّ في الانقياد حيث إتيان الفعل ليس إلّا بداعي أمر المولى فمستحق هذا الشخص من جهة انقياده