الفراغ من ذلك وبعد كون ذلك قبيحا يسري قبحه الى الفعل أيضا ، كما قيل بذلك في التشريع بأنّ بعد كون التشريع وبهذا القصد حراما تسري حرمته الى الفعل الذي أتى به بعنوان التشريع فكذلك يقال في المقام بأنّه لأجل التجري يصير الفعل أيضا حراما ، فنفس التجري قبحه لم يصر سببا لكونه إمّا لأجل أنّ ذلك يوجب التسلسل وإمّا أنّ الحاكم العقل في استحقاق العقوبة وقبح التجري ، وليس ذلك من وظائف الشرع حتى يحكم بحرمة التجري ، لكن اذا سرى قبحه الى الفعل فللشارع أن يحكم بحرمة الفعل ، وعدم لزوم التسلسل من جعل الشارع الفعل حراما.
وعلى هذا التقريب لا يلزم اجتماع حكمين متماثلين في محلّ واحد أحدهما حرمته للتجري والآخر لكونه حراما واقعا بنظره ؛ لأنّ كلّا من الحكمين يكون بعنوان غير العنوان الآخر ، فإنّ أحد الحكمين يكون على الواقع ، والآخر من باب كونه الفعل المتجرّى به ، وليسا في رتبة واحدة ، بل أحدهما متأخّر عن الآخر بمرتبتين ، فإنّ مرتبة الحكم الذي على الواقع مقدم على الحرمة المتعلقة بالفعل بمرتبتين ؛ لأنّ هذا الحكم يسري من التجري به فهو مؤخر عن نفس التجري ، ونفس التجري تأخر عن الواقع ، لأنّه بعد اعتقاده بالواقع تجرّى بهذا الحكم الواقعي ، فحكم الساري من التجري تأخر عن الأول بمرتبتين ، وأيضا على هذا لا يلزم من حرمة العمل التسلسل الذي يلزم التجري ، فإنّ التجري لو كان حراما فيوجب التسلسل ، لأنّ ترك هذا الحرام أيضا تجرّي ، وهكذا الى أن يتسلسل ، ولكن حرمة الفعل لا توجب ذلك ؛ لأنّ بالفعل تسري الحرمة من التجري اليه ، وأيضا لا يوجب عقابين ؛ لما قلنا في التجري : إنّ العقاب ليس على مخالفة الحكم الواقعي ، بل يكون العقاب على التجري وليس إلّا عقاب واحد.
ولكن مع ذلك فإنّه بهذا الوجه أيضا لا يمكن الالتزام بكون الفعل المتجرّى به حراما ؛ لأنّه لو كان التجرّي هو نفس القصد فلا يمكن سراية الحرمة منه الى الفعل الخارجي ، لأنّ الميزان في سراية حكم الى موضوع آخر هو كون الاتحاد ونحو