فيكون مقتضى القاعدة البراءة والتخيير ، لأنّه ولو ورد الدليل والحجّة إلّا أنّ ما يمكن أن يحتجّ به المولى ويكون بيانا هو ما يمكن الأخذ والعمل به ، فعلى هذا كانت البراءة جارية بحسب القاعدة ، إلّا أن يقال لأجل الأخبار الواردة في الترجيح بالترجيح أو بالاحتياط ، فالحكم على القاعدة لا إشكال فيه ، إنّما المهمّ هو فهم ما قاله الشيخ الأنصاري رحمهالله في المقام ، وهو : أنّ ما يدلّ على التخيير في خصوص ما نحن فيه من اشتباه الوجوب بغير الحرمة هو التوقيع المرويّ في الاحتجاج عن الحميري ، حيث كتب الى الإمام صاحب الزمان عجّل الله فرجه ، وحاصل مضمون الرواية هو : أنّه سأل عن وجوب التكبير وعدمه عند القيام عن الركعة الثانية بعد التشهّد ، وأنّ بعض الأصحاب قال : يجب ، وبعض قال : لا يجب ، ويجوز أن يقول : بحول الله وقوته أقوم وأقعد؟ وجواب الإمام عليهالسلام في ذلك قسمان ، أحدهما أنّه اذا انتقل عن حالة الى حالة فعليه التكبير ، والآخر أنّه اذا رفع رأسه عن السجدة الثانية وكبّر ثمّ جلس ثمّ قام فليس عليه في القيام بعد القعود تكبير ... الى أن قال : وبأيّهما أخذت من باب التسليم كان صوابا.
ولا إشكال بأنّ المراد من الوجوب الوارد في الخبر ليس الوجوب الاصطلاحي ، بل المراد يكون الاستحباب ، ولو قلنا بأنّ هذا الخبر دالّ على التخيير فيما نحن فيه يرد إشكالان :
الأول : أنّ الخبرين اللذين أمر المعصوم عليهالسلام فيهما بالتخيير بينهما عموم وخصوص ، لأنّ أحدهما دالّ على التكبير في كلّ ما انتقل من حالة الى حالة ، والآخر دالّ على عدم التكبير في خصوص القيام بعد التشهّد الأول ، فمقتضى القاعدة في هذا المورد على المبنى يكون حمل العام على الخاص ، ولا يكون مقام التخيير لأنّه يمكن الجمع الدلالي.
الثاني : هو أنّ المعصوم عليهالسلام رفع اليد عن الحكم الواقعي وبيّن الحكم الظاهري ، وهذا أيضا خلاف الظاهر ، فعلى هذا ما قاله الشيخ رحمهالله لا يمكن القول به.