لأنّا نقول : محلّ الكلام هو في الواجب التخييري ، وليس النزاع في الواجب التعييني ، سواء كان وجوبه التعييني أصلا أو عرضا ، فاذا تعذّر أحد الفردين يصير الآخر على تقدير وجوبه ذا وجوب تعييني بالعرض ، وهو خارج عن محلّ الكلام كما قال الشيخ رحمهالله أيضا ، فتدبّر.
وأمّا استصحاب عدم الوجوب فلا إشكال فيه فيجري ، لأنّه سابقا لا يكون الوجوب والحال أنّ الشكّ في وجوب الحادث ، والأصل عدمه. ولكن لا يخفى عليك أنّ لجريان هذا الأصل لا يكون ثمرة ؛ لأنّه إمّا أن نقول في الشك في التعيينية والتخييرية بالبراءة ، وإمّا أن نقول بالاشتغال ، مثلا : اذا علم بوجوب الصوم لكن لا يدري أن وجوبه وجوب تعييني أو تخييري : فإمّا أن نلتزم بالبراءة ، أو بالاشتغال ، فإن التزمنا بالاشتغال فلازمه إتيانه ، فاذا أتى به فلا يلزم إتيان الفرد المشكوك ؛ لأنّه لو كان الواجب هو الفرد المعلوم وجوبه معيّنا فقد أتى به ، ولا يلزم إتيان الفرد الآخر المشكوك وجوبه. وإن قلنا بالبراءة أيضا لا ثمرة في جريان الاستصحاب ؛ لأنّه لا إشكال في أنّ إتيان الفرد المعلوم وجوبه كاف عن الفرد المشكوك وجوبه ، فبعد الإتيان به لا يلزم إتيان الفرد المشكوك أيضا. نعم ، لو نذر العمل بشيء لوجب عليه واجب أعمّ من أن يكون واجبا معينا أو مخيرا ، فباستصحاب عدم وجوب الفرد المشكوك وجوبه يحكم بعدم وجوب العمل الذي تعلق به النذر.
واعلم أنّه ممّا قلنا في الواجب التخييري يظهر لك الحكم في الشك في الوجوب الكفائي ، غاية الأمر الفرق بينهما هو : أنّ في الأول يكون التخيير في المكلف به ، وفي الثاني يكون التخيير في المكلف بالفتح ، وعلى هذا يأتي في الواجب الكفائي الصور الأربع المتقدمة في الواجب التخييري ، والكلام هو الكلام ، فافهم جيّدا.
أمّا الكلام فيما كان الشكّ في الوجوب وغير الحرمة وكان منشأ الشكّ إجمال النّص فالكلام فيه هو عين الكلام فيما كان منشأ الشكّ فقد النصّ ، وهكذا الكلام فيما كان منشأ الشكّ تعارض النصّين ، ويكون مقتضى القاعدة في المتعارضين التساقط ،