واجبا حتى يكون أحد فردي الواجب التخييري ، أو لا؟
فنقول كما قلنا سابقا : إنّه تارة نلتزم بأنّ في الواجب التخييري يكون جعل واحد ، بمعنى أنّ وجوبا واحدا تعلق بالفردين ، ويكون المتعلق متعدّدا والوجوب واحدا ، فإن قلنا بذلك لا إشكال في عدم جريان البراءة ؛ لأنّ الوجوب مسلّم ويكون الشكّ في متعلّقه. وبعبارة اخرى : لا يقبح العقاب هنا ، لأنّه بلّغ الحجة ، وأحد الفردين وإن كان وجوبه مشكوكا إلّا أنّه لا يمكن فيه الالتزام بالبراءة ، لأنّ المفروض أنّه ليس إلّا جعل واحد ، وهذا الجعل ـ أعني الوجوب ـ مسلّم ، غاية الأمر يكون الشك في أنّ متعلقه هل هذا الفرد الخاصّ حتى يكون تعيينيا ، أو هذا الفرد وفرد آخر حتى يكون الوجوب وجوبا تخييريا؟ وليس مجال للبراءة في الفرد المشكوك استصحاب عدم الوجوب ؛ لأنّ الوجوب كان متيقّنا لكنّ الشكّ كان في متعلّقه.
وتارة نلتزم بأنّ في الواجب التخييري يكون وجوبان تعلّق بكلّ من الفردين وجوب على حدة ، ويكون جعلان ، فعلى هذا ولو كان وجوبان إلّا أنّه مع ذلك لا مجال للبراءة ؛ لما قلنا من أن مورد البراءة ما يكون فيه ضيق على المكلف ، لأنّه كان في مقام امتنان ، وأمّا فيما لا ضيق فيه على المكلف فلا مجال للبراءة.
ففي المقام أيضا لا إشكال في وجوب الفرد المعلوم ولزوم الإتيان به ، فاذا أتى به فيقطع بعدم وجوب الفرد المشكوك عليه ، لأنّه لو كان الواجب معينا في الفرد المأتيّ به فقد أتى بالواجب ، ولا يكون الفرد المشكوك واجبا ، وإن كان الوجوب وجوبا تخييريا فأيضا لا يلزم عليه الإتيان بالفرد المشكوك لسقوط وجوبه بإتيان بدله وهو الفرد المأتيّ به.
وإن قلت : تظهر ثمرة البراءة فيما تعذّر إتيان الفرد المعلوم وجوبه ، فإجراء البراءة في الفرد المشكوك وجوبه يكون فيه الثمرة ، ونتيجته عدم وجوب إتيانه ولو تعذّر فرد الآخر.