الأحكام الوضعية هل تكون من الامور الاعتبارية التي اعتبرها الشارع وتعلّق بها جعل الشارع؟ بمعنى أنّه كما جعل السورة واجبة يكون لها جعل آخر وهو جعل جزئية السورة ، أو ليس كذلك ، بل الشارع لم يجعل إلّا أحكاما تكليفية ، والعقل بعد ما رأى فيها الحيثية انتزع من هذه الحيثية شيئا فتكون الأحكام الوضعية من الامور الانتزاعية التي انتزعها العقل؟
المقدمة الرابعة : قد ظهر لك ممّا مرّ أنّ النزاع فيما نحن فيه يكون في الجعل ، بمعنى أنّ الجعل ـ أعني الإيجاد ـ هل تعلق بالأحكام الوضعية ، أم لا؟
وليس هذا النزاع مرتبطا بكون مفهوم الحكم الوضعي غير مفهوم الحكم التكليفي ، أو لا يكونان مغايرين حتى يقال بأنّه بعد كونهما مغايرين مفهوما فلا يمكن الانتزاع ؛ لأنّ النزاع ليس في المفهوم ، بل بعد عدم الإشكال في اختلافهما مفهوما فلا يكون مفهوم السببية متّحدا مع مفهوم التكليف بوجوب الإكرام ، وعلى تقدير المجيء يكون النزاع في أنّه هل الجعل تعلق بمفهوم الحكم التكليفي فقط والحكم الوضعي منتزع منه فلا يكون في البين إلّا جعل واحد ، أو يكون جعلان : أحدهما تعلق بالحكم التكليفي والآخر بالحكم الوضعي؟
وأيضا ليس النزاع فيما نحن فيه في لسان الدليل ، يعني أنّ من لسان الدليل هل يستفاد الحكم التكليفي والحكم الوضعي كليهما ، أو لا؟ لأنّه بعد عدم الإشكال في أنّ لسان الدليل مختلف فربّما يكون المستفاد من الدليل الحكم التكليفي كما يقول مثلا : يجب عليك الأداء كذلك ربّما يقول : أنت ضامن له ، وهذا الحكم الوضعي قد ورد نظائره في الفقه ، ولكن يكون النزاع في أنّ الجعل تعلق بالحكم الوضعي أيضا فيكون الدليل المتكفّل للحكم الوضعي في مقام بيان الحكم الوضعي ، أو ليس كذلك ، بل الجعل تعلق بالحكم التكليفي ، والدليل المستفاد منه الحكم الوضعي أيضا كان في مقام بيان ما يتبعه الحكم التكليفي ، وإلّا فأوّلا وبالذات كان الحكم هو الحكم التكليفي؟