الشيء يستند اليه الجعل بالعرض ، فالشيء المنتزع من الأمر المجعول ليس مجعولا ، وإسناد الجعل اليه لا يكون إلّا بالعرض. وفي المقام من يقول بكون الأحكام الوضعية منتزعات من الامور المجعولة ـ أعني التكاليف ـ يقول بعدم تعلق الجعل بالأحكام الوضعية لا أصالة ولا تبعا ، فهي ليست مجعولة لا بالجعل الأصلي ولا التبعي ، وهذا التقسيم الذي ذكرناه هو في اصطلاح الاصوليين ، وإلّا فعند الحكماء وبحسب اصطلاحهم ليس الجعل إلّا قسمين :
الأول : الجعل الأصلي.
الثاني : الجعل بالأصالة وبالتبع ، فالجعل بالتبع وبالعرض عندهم قسم واحد.
اذا عرفت هذا فاعلم : أنّ كلام المحقّق الخراساني رحمهالله في المقام يكون بحسب الظاهر موردا للإشكال ، إلّا أن يوجّه كلامه.
أمّا كلامه فهو قال : (والتحقيق : أنّ ما عدّ من الوضع على أنحاء : منها ما لا يكاد يتطرّق اليه الجعل تشريعا أصلا ، لا استقلالا ولا تبعا ، وإن كان مجعولا تكوينا عرضا بعين جعل موضوعه ، كذلك منها ما لا يكاد يتطرّق اليه الجعل التشريعي إلّا تبعا للتكليف ... الى آخره).
فهذا الكلام بحسب ظاهره غير صحيح ، إذ بعد عدم كون قسم الأول مجعولا لا استقلالا ولا تبعا ، بل مجعولا بالعرض فالقسم الثاني أيضا يكون كذلك على ما يقول بعد ذلك في شرحه ، ويقول بأنّه منتزع ، فما الفرق بين القسمين؟ ولم جعل كلّا منهما قسيما للآخر مع عدم فرق بينهما؟
وإنه لو كان مشيه على الاصطلاح الاصولي فلم قال في القسم الثاني بأنّه مجعول تبعا للتكليف ، والحال على ما يقول بعد ذلك : هو منتزع فيكون هو مجعول بالعرض لا بالتبع؟ وإن كان مشيه على طبق الاصطلاح الحكمي فلم قال في القسم الأول بأنّه ليس مجعولا لا استقلالا ولا تبعا بل هو مجعول عرضا؟