والعقد في العدة مع قطع النظر عن الحرمة الوضعية المرتفعة في حال الجهل يمكن أن يقال بأنّ الرواية شاهدة لما نحن فيه ، ولكن ليس الأمر كذلك.
وأوضح شاهد على أنّ الرواية لم تكن مربوطة بالمقام هو : أنّ لسانها عدم الحرمة الواقعية في مورد الجهل ، ولو في صورة كشف الخلاف وعلمه بالحال ، والحال أنّ المقام ليس كذلك ، بل البراءة لو قلنا بها تكون مفيدة في حال جهل المكلف ، وأمّا بعد علمه فلا إشكال في عدم المعذورية ، فافهم.
هذا كلّه حال الأخبار ، وأنّ بعضها لا يكون دليلا أصلا وبعضا كان لسانها هو ما يحكم العقل من بقبح العقاب بلا بيان ، وبعضها كان لسانها ما ينافي أخبار الاحتياط وكان بينهما التعارض بالتباين ، وأمّا خبر «كلّ شيء حلال ... الى آخره» فلم نتعرض له هنا ونتعرّضه ـ إن شاء الله ـ في الشبهة الموضوعية مع ما فيه من الكلام.
الدليل الثالث : من الأدلة التي تمسّكوا بها للبراءة في محلّ النزاع هو الإجماع. ولا يخفى عليك أنّ البحث فيه غير مفيد ، بل نقول إجمالا : إنّه لو حصل لأحد من هذه الإجماعات المنقولة في الباب وكلمات العلماء القطع بقول المعصوم عليهالسلام ، أو القطع بدليل معتبر فيكون قطعه حجّة له ، وإلّا فلا.
الدليل الرابع : هو حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان ، ولا يخفى عليك أنّ هذه القاعدة مسلّم بها ولا ينكرها أحد ، كما أنّ حكم العقل بدفع الضرر المحتمل أيضا مسلّم ، وما يكون مورد الكلام في المقام هو : أنّ ما يظهر في بادئ النظر هو جريان كلا القاعدتين في المقام ، ولكنّ دقيق النظر يشهد بأنّ المورد هو جريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان ؛ لأنّه لا إشكال في أنّ كل حكم تنجيزيّ مقدّم على الحكم التعليقي ، فعلى هذا نقول بأنّه في المورد لا بد للأحكام من بيان للشارع ووصوله الى العبد ، فلا بد للشارع من البيان ، ولا بدّ للعبد من الفحص حتى يظفر به ، فاذا تفحّص ولم