فأمّا الدليل على أن لفظة أولى تفيد معنى الإمامة : فهو انا نجد أهل اللغة لا يضعون هذا اللفظ إلّا فيمن كان يملك تدبير ما وصف بأنه أولى به (١) وتصريفه وينفذ فيه أمره ونهيه ، ألا تراهم يقولون : «السلطان أولى بإقامة الحدود من الرعيّة» و «ولد الميّت أولى بميراثه من كثير من أقاربه» و «الزوج أولى بامرأته» و «المولى أولى بعبده» ، ومرادهم في جميع ذلك ما ذكرناه ، ولا خلاف بين المفسّرين في أن قوله تعالى : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) (٢) المراد به أنه أولى بتدبيرهم ، والقيام بامورهم ، من حيث وجبت طاعته عليهم ، ونحن نعلم أنه لا يكون أولى بتدبير الخلق وأمرهم ونهيهم من كلّ أحد منهم إلّا من كان إماما لهم مفترض الطاعة عليهم.
فإن قالوا : اعملوا على أن المراد بلفظة «مولى» في الخبر ما تقدّم من معنى «ولي» من أين لكم أنه أراد كونه أولى بهم في تدبيرهم ، وأمرهم ونهيهم ، دون أن يكون أراد أنه أولى بأن يوالوه ويحبّوه أو يعظموه ويفضلوه؟ ؛ لأنّه ليس يكون أولى بذواتهم ، بل بحال لهم وأمر يرجع إليهم ، فأيّ فرق في ظاهر اللفظ أو معناه بين أن يريد بما يرجع إليهم تدبيرهم وتصريفهم ، وبين أن يريد أحد ما ذكرناه؟
قيل له : سؤالك يبطل من وجهين :
أحدهما : أن الظاهر من قول القائل : فلان أولى بفلان ، أنه أولى بتدبيره ، وأحق بأن يأمره وينهاه ، فإذا انضاف في ذلك القول بأنه أولى به من نفسه زالت الشبهة في أن المراد ما ذكرناه ، ألا تراهم يستعملون هذه اللفظة مطلقة في كلّ موضع حصل فيه تحقّق بالتدبير ، واختصاص بالأمر والنهي ، كاستعمالهم لها في السلطان ورعيّته ، والوالد وولده ، والسيّد وعبده؟ وإن جاز أن يستعملوها مقيدة في غير هذا المعنى إذا قالوا : فلان أولى بمحبّة فلان أو بنصرته أو بكذا وكذا منه ، إلّا أن مع الإطلاق لا يعقل عنهم إلّا المعنى الأوّل ، ولذلك نجدهم يمتنعون من أن يقولوا في المؤمنين : أن بعضهم أولى ببعض من أنفسهم ،
__________________
(١) في نسخة بتدبيره.
(٢) سورة الأحزاب ، الآية : ٦.