وسادسها : ما أومى إليه أبو علي الجبّائيّ في تفسير هذه الآية ؛ لأنّه قال : «أراد بقوله : (وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) أي أقيموا على التوبة إليه ؛ لأنّ التائب إلى الله تعالى من ذنوبه يجب أن يكون تائبا إلى الله في كل وقت يذكر فيه ذنوبه بعد توبته الأولى ؛ لأنّه يجب أن يكون مقيما على الندم على ذلك ، وعلى العزم على أن لا يعود إلى مثله ؛ لأنّه لو نقض هذا العزم لكان عازما على العود ، وذلك لا يجوز ؛ وكذلك لو نقض الندم لكان راضيا بالمعصية مسرورا بها وهذا لا يجوز» وقد حكينا ألفاظه بأعيانها. حمله على هذا الوجه أنّه أراد التكرار والتأكيد والأمر بالتوبة بعد التوبة ، كما يقول أحدنا لغيره : «اضرب زيدا ثم اضربه» «وافعل هذا ثم افعل».
وهذا الّذي حكيناه عن «أبي عليّ» اولى ممّا ذكره في صدر هذه السورة ؛ لأنّه قال هناك : (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) (١) إنّ معناه استغفروا ربكم من ذنوبكم السالفة ثمّ توبوا إليه بعد ذلك من كل ذنب يكون منكم أو معصية. وهذا ليس بشيء ؛ لأنّه إذا حمل الاستغفار المذكور في الآية على التوبة فلا معنى لتخصيصه بما سلف دون ما يأتي ؛ لأنّ التوبة من ذلك أجمع واجبة ، ولا معنى أيضا لتخصيص قوله : (ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) بالمعاصي المستقبلة دون الماضية ؛ لأنّ الماضي والمستقبل ممّا يجب التوبة منه ، فالّذي حكيناه أوّلا عنه أشفى وأولى (٢).
ـ (ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (١٠٣) وَما نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ (١٠٤) يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ) [هود : ١٠٣ ـ ١٠٥].
وقال في موضع آخر : (هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ (٣٥) وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (٣٦)) (٣). وفي موضع آخر : (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٢٧)) (٤).
وظاهر هذه الآيات ظاهر الاختلاف ، لأنّ بعضها ينبئ عن أنّ النطق لا يقع
__________________
(١) سورة هود ، الآية : ٣.
(٢) تنزيه الأنبياء والأئمّة : ٩٦.
(٣) سورة المرسلات ، الآيتان : ٣٥ ـ ٣٦.
(٤) سورة الصافات ، الآية : ٢٧ ، وسورة الطور ، الآية : ٢٥.