بمثلها الصلاة ، منها المشي الكثير ، والأفعال الكثيرة ، واستدبار القبلة ، وأنّ الطائفة الأولى إذا صلّت ركعة انتظرت فراغ الإمام ، والانتظار الكثير يبطل الصلاة (١).
ـ (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً) [النساء : ١١٥].
[هذه الآية أحد ما اعتمده القاضي في الدلالة على أنّ الأمّة لا تجتمع على خطأ ، قال ما مضمونه :] وأنّه لما توعد تعالى على العدول عن اتّباع سبيل المؤمنين ، كما توعّد على مشاقّة الرسول بعد البيان ، وجب أن يدلّ على أنّ اتباع سبيلهم صواب ، ولا يكون سبيلهم بهذه الصفة إلّا وهم حجّة فيما يتّفقون عليه.
وهذه الآية لا يمكن التعلّق بها من وجوه :
منها : أنّ لفظ (الْمُؤْمِنِينَ) لا يجب عمومه لكلّ مؤمن ، بل الحقّ فيه تناوله لثلاثة فصاعدا ، فتناوله لثلاثة مقطوع عليه ، وما عدا الثلاثة مجوّزا ، وقد بيّنا في مواضع أنّ هذا اللفظ ليس من ألفاظ العموم المستغرقة للجنس ، بل لا لفظ في اللغة يستغرق الجنس بصيغته ووضعه (٢) ، وإذا لم يعقل من ظاهر لفظ المؤمنين الاستغراق لجميعهم ، لم يسغ التعلّق بها في الإجماع على الوجه الذي يدعيه الخصوم ، وجرت الآية مجرى المجمل الذي يحتاج في تفسيره وتفصيله إلى بيان ، وإذا لم يسغ للقوم حملها على الكلّ لم يسغ أيضا لهم حملها على البعض ؛ لأنّه لا شيء يقتضي حملها على بعض معيّن دون بعض ، ولو ساغ ذلك لكنّا نحن أحقّ به إذا حملناها على الأئمة من آل محمد صلوات الله عليهم من حيث ثبتت عصمتهم وطهارتهم ، وأمنّا وقوع شيء من الخطأ منهم ، وكانوا من هذا الوجه أحقّ بأن تتناولهم الآية.
ومنها : أنّ لفظة (سَبِيلِ) تقتضي الوحدة ، ولا يجب حملها على كلّ سبيل ، فكيف يمكن الاستدلال بالآية على أنّ كلّ سبيل للمؤمنين صواب يجب اتّباعه؟
__________________
(١) الناصريات : ٢٦٢.
(٢) تقدّم في المقدّمات.