أن الموصوفين بالآية الأولى هم الموصوفون بالآية الأخرى ، وهذا تحريف ظاهر ؛ لأنّه غير ممتنع أن يكون الوصف واحدا والموصوف يختلف ، ولم يحقق حكايته هذا الضرب من التحقيق ؛ لأن أبا مسلم لو ادّعى ما حكاه عنه كانت دعواه حجّة ، بل أردنا أن نبيّن عن وهم صاحب الكتاب في الحكاية ، والذي تقدّم من كلامنا مبطل للدعوى التي ذكرها في الآية ، سواء كان أبو مسلم مدّعيا أو غيره.
فأما قوله : «وقد روى أنها نزلت في عبادة بن الصامت» فباطل ، وليس يقابل ما ادّعاه من الرواية ما روي من نزولها في أمير المؤمنين عليهالسلام ؛ لأن تلك رواية أطبق على نقلها جماعة أصحاب الحديث من الخاصة والعامة ، وما ادّعاه أحسن أحواله أن يكون مسندا إلى واحد معروف بالتحايل والعصبيّة ، ولا يوجد له موافق من الرواة ولا متابع ، على أن مفهوم الآية ممتنع مما ذكره ؛ لأنا قد دلّلنا على اقتضائها فيمن وصف بها معنى الإمامة ، فليس يجوز أن يكون المعني بها «عبادة» بعينه ؛ للاتفاق على أنه لا إمامة له في حال من الأحوال ، ولا يجوز أيضا أن يكون نزلت بسببه الذي ذكره ؛ لأن الآية يصحّ خروجها على سبب لا يطابقها وإن جاز مع مطابقته أن يتعدّى إلى غيره ، وقد بيّنا أن المراد بها لا يجوز أن يكون ولاية الدين والنصرة ؛ لدخول لفظة «إنّما» المقتضية للتخصيص ، فلم يبق فيما ذكرناه شبهة (١).
ـ (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ) [المائدة : ٦٠].
[إن سأل سائل] فقال : ما أنكرتم أن تكون هذه الآية دالة على أنّه جعل الكافر كافرا ؛ لأنّه أخبر بأنّه جعل منهم من عبد الطاغوت ؛ كما جعل القردة والخنازير؟ وليس يجعله كافرا إلّا بأن خلق كفره!
الجواب : يقال له : قبل أن نتكلّم في تأويل الآية بما تحتمله من المعاني :
__________________
(١) الشافي في الإمامة وإبطال حجج العامّة ، ٢ : ٢١٧.