وأخرى في الزيادة والكثرة ؛ قال الله تعالى : (حَتَّى عَفَوْا) أي كثروا ؛ ويقال : قد عفا الشّعر إذا كثر ، وقال الشاعر :
ولكنّا نعضّ السّيف منها |
|
بأسؤق عافيات اللّحم كوم |
أراد كثيرات اللحم ؛ يقال : قد عفا وبر البعير إذا زاد ؛ ويقال : أعفيت الشعر وعفوته إذا كثرته وزدت فيه ، وأمر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بأن تحفى الشوارب وتعفى اللّحي ؛ أي توفّر (١).
ـ (وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ (١١٣) قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (١١٤) قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (١١٥) قالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (١١٦) وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (١١٧) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١١٨) فَغُلِبُوا هُنالِكَ وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ (١١٩)) [الأعراف : ١١٣ ـ ١١٩].
[وفيها أمران :
الأوّل :] فإن قيل : كيف جاز لموسى عليهالسلام أن يأمر السحرة بإلقاء الحبال والعصيّ وذلك كفر وسحر وتلبيس وتمويه ، والأمر بمثله لا يحسن؟
الجواب : قلنا : لا بدّ من أن يكون في أمره عليهالسلام بذلك شرط ، فكأنّه قال : «ألقوا ما أنتم ملقون إن كنتم محقّين وكان فيما تفعلونه حجّة وحذف الشرط لدلالة الكلام عليه واقتضاء الحال له وقد جرت العادة باستعمال هذا الكلام محذوف الشرط وإن كان الشرط مرادا وليس يجري هذا مجرى قوله تعالى : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) (٢) وهو يعلم أنّهم لا يقدرون على ذلك وما أشبه هذا الكلام من ألفاظ التحدّيّ ؛ لأنّ التحدّيّ وإن كان بصورة الأمر لكنّه ليس بأمر على الحقيقة ولا تصاحبه إرادة الفعل ، فكيف تصاحبه الإرادة والله تعالى يعلم استحالة وقوع ذلك منهم وتعذّره عليهم؟ وإنّما التحدّي لفظ موضوع لإقامة
__________________
(١) الأمالي ، ٢ : ١٦٨.
(٢) سورة البقرة ، الآية : ٢٣.