وبصحّة هذه الطريقة نرجع عن ظواهر آيات القرآن التي تتضمّن إجبارا أو تشبيها (١) ؛ فهذه الأخبار إمّا أن تكون باطلة مصنوعة ، أو يكون تأويلها ـ إن كانت صحيحة ـ ما ذكرناه (٢).
ـ (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها) [الأعراف : ١٨٠].
أنظر الإسراء : ١١٠ من الأمالي ، ٢ : ٢٧٠ ، ٢٧٣.
ـ (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (١٨٩) فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٩٠)) [الأعراف : ١٨٩ ـ ١٩٠].
[فإن قال قائل :] أوليس ظاهر هذه الآية يقتضي وقوع المعصية من آدم عليهالسلام ؛ لأنّه لم يتقدّم من يجوز صرف هذه الكناية في جميع الكلام إليه إلّا ذكر آدم عليهالسلام وزوجته ؛ لأنّ النفس الواحدة هي آدم وزوجها المخلوق منها هي حواء ، فالظاهر على ما ترون ينبي عما ذكرناه ، على أنّه قد روي في الحديث أن إبليس لعنه الله تعالى ، لمّا أن حملت حوّاء عرض لها وكانت ممّن لا يعيش لها ولد. فقال لها [ان] أحببت أن يعيش ولدك فسمّيه عبد الحارث ، وكان إبليس قد سمّي الحارث ، فلمّا ولدت سمّت ولدها بهذه التسمية. فلهذا قال تعالى : (جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما).
الجواب : يقال له : قد علمنا أن الدلالة العقلية الّتي قدّمناها في باب أنّ الأنبياء عليهمالسلام لا يجوز عليهم الكفر والشرك والمعاصي غير محتملة ، ولا يصحّ دخول المجاز فيها. والكلام في الجملة يصحّ فيه الاحتمال وضروب المجاز ، فلا بدّ من بناء المحتمل على ما لا يحتمل ، فلو لم نعلم تأويل هذه الآية على سبيل التفصيل ، لكنّا نعلم في الجملة أنّ تأويلها مطابق لدلالة العقل. وقد قيل في تأويل هذه الآية ما يطابق دليل العقل وممّا يشهد له اللغة وجوه :
__________________
(١) الرسائل ج ١ ص ١١٣.
(٢) الرسائل ج ١ ص ١١٥ و ١١٤.