(وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِ) دلّ على أنّ قتلهم لا يكون إلّا بغير حقّ ، ثمّ وصف القتل بما لا بدّ أن يكون عليه من الصفة ، وهي وقوعه على خلاف الحقّ ؛ وكذلك : (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ) ، [إنّما هو وصف لهذا الدعاء ، وأنّه لا يكون إلّا عن غير برهان] ، وقوله تعالى : (اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها) وجهه أيضا أنّه لو كان هناك عمد لرأيتموه ، فإذا نفي رؤية العمد نفي وجود العمد ؛ كما قال : «لا يهتدي بمناره» أي لا منار له من حيث علم أنّه لو كان له منار لاهتدى ، به فصار نفي الاهتداء بالمنار نفيا لوجود المنار. وقوله تعالى : (وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ) تغليظ وتأكيد في تحذيرهم الكفر ، وهو أبلغ من أن يقول : «ولا تكفروا به» ، ويجرى مجرى قولهم : فلان لا يسرع إلى الخنا ؛ وقلّما رأيت مثله إذا أرادوا به تأكيد نفي الخنا ونفي رؤية مثل المذكور. وكذلك قوله : (لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً) ، معناه لا مسأله تقع منهم ، ومثل الأوّل : (وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً) والفائدة أنّ كلّ ثمن لها لا يكون إلّا قليلا ، فصار نفي الثمن القليل نفيا لكلّ ثمن ، وهذا واضح بحمد الله ومنّه (١).
ـ (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) [آل عمران : ٢٨].
أنظر مائدة : ١١٦ من الأمالي ، ١ : ٣١٧.
ـ (قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ قالَ كَذلِكَ اللهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ) [آل عمران : ٤٠].
[فيها أمران :
الأوّل إن سأل سائل فقال :] فكأنّه سأل أمرا يستحيل كونه ، وقد علمنا لا محالة أن زكرياء يعلم أنّ الله تعالى لا يعجزه ما يريد ، فما وجه الكلام؟.
[قلنا :] إنّه غير ممتنع أن يكون زكرياء عليهالسلام لم يسأل الذريّة في حال كبره وهرمه ؛ بل قبل هذه الحال ، فلمّا رزقه الله تعالى ولدا على الكبر ، ومع كون
__________________
(١) الأمالي ، ١ : ٢٣٣.