ـ (إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) [المائدة : ٩١].
أنظر البقرة : ٢٦ ، ٢٧ من الرسائل ، ٢ : ١٧٧ إلى ٢٤٧.
ـ (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [المائدة : ٩٣].
هذه الآية تشاغل المفسّرون بإيضاح الوجوه في التكرار الذي تضمّنته ؛ وظنّوا أنّه المشكل منها ، وتركوا ما هو أشدّ إشكالا من التكرار ؛ وهو أنّه تعالى نفى الجناح عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيما يطعمونه بشرط الاتقاء والإيمان وعمل الصالحات. وإذا أريد بالاتقاء تجنّب القبائح والمحارم ، كان ذلك شرطا صحيحا في نفي الجناح ؛ إلّا أنّ الإيمان وعمل الصالحات ليس بشرط في نفي الجناح على وجه ولا سبب ؛ لأنّ من جانب القبيح المحظور عليه لم يكن عليه جناح فيما يطعمه ، وإن لم يكن مؤمنا ، ولا ممّن عمل الصالحات ، ألا ترى أنّ المباح إذا وقع من الكافر لا إثم عليه ولا وزر! ووقوعه منه مع كفره في نفي الإثم كوقوعه من المؤمنين. والإشكال إنّما هو في اشتراط الإيمان وعمل الصالحات ؛ وليس لذلك تأثير معقول في نفي الجناح.
ونحن نبيّن ما يحلّ هذه الشبهة القويّة ، ونتكلّم على التكرار ، ولنا في ذلك طريقان : أحدهما : أن نضمّ إلى المشروط المصرّح بذكره غيره حتى يظهر تأثير ما ذكر من الشروط. أو نجعل ما ولي الاتقاء من الإيمان ، وعمل الصالحات ليس بشرط حقيقيّ وإن كان معطوفا على الشرط وكلّ ذلك جائز إذا قاد الدليل إليه ، وأحوج إلى التعويل عليه.
أمّا الوجه الأوّل : فبيانه أن يكون تقدير الكلام «ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا وغيره إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات» ، لأنّ الشرط في نفي الجناح لا بدّ أن يكون له تأثير ؛ حتى يكون متى انتفى ثبت الجناح. وقد علمنا أنّ باتّقاء المحارم ينتفي الجناح فيما يطعم ، فهو الشرط الذي لا زيادة عليه. ولما ولي ذكر الاتقاء الإيمان وعمل الصالحات ـ ولا تأثير لهما في نفي الجناح ـ وجب أن نقدّر هناك ما تؤثّر هذه الأفعال في