ذلك قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً) (١) أراد : فقالوا أتتخذنا هزوا ، فأضمر تعالى الفاء ؛ لتمام كلام موسى عليهالسلام ، ومنه قول الشاعر :
لمّا رأيت نبطا أنصارا |
|
شمّرت عن ركبتي الإزارا |
كنت لها من النّصارى جارا |
أراد : «وكنت» ، فأضمر الواو.
وثالثها : أن يكون القول خرج مخرج الدعاء ؛ إلّا أنّ معناه التعليم من الله تعالى لنا والتأديب ؛ فكأنّه جلّت عظمته وقفنا على الدعاء عليهم ، وعلّمنا ما ينبغي أن نقول فيهم ، كما علّمنا الاستثناء في غير هذا الموضع بقوله تعالى : (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ) (٢) ، وكلّ ذلك جلّي واضح ، والمنة لله (٣).
[الثاني :] أي نعمه مبسوطة ، ورزقه دار نازل ، كما تقول العرب : «يد فلان مبسوطة» إذا أرادوا وصفه بالجوهر وكثرة العطاء ، ومثله قوله تعالى : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ) ، وهذا القول ردّ على اليهود الّذين ادّعوا انّه قد أمسك عنهم رزقه وحبس ضرّه ، ولم يدّعوا أنّ له جارحة مقبوضة (٤).
ـ (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) [المائدة : ٦٧].
قال القاضي : «دليل لهم آخر من طريق السنة ، قالوا قد ثبت عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم يوم غدير خم ما يدلّ على أنه نصّ على أمير المؤمنين عليهالسلام بالإمامة ؛ لأنّه مع الجمع العظيم في ذلك المقام قام فيهم خطيبا فقال : «ألست أولى بكم منكم بأنفسكم» (٥)؟ فقالوا اللهم نعم ، فقال بعده إشارة إليه «فمن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله»
__________________
(١) سورة البقرة ، الآية : ٦٧.
(٢) سورة الفتح ، الآية : ٢٧.
(٣) الأمالي ، ٢ : ٥.
(٤) الملخص ، ٢ : ٢٢٤.
(٥) في المغني «من أنفسكم».