أنّ لمن خالفكم أن يعكس هذه الطريقة عليكم ويقول : قد ثبت أنّ التسمية غير واجبة أو يشير إلى مسألة قد دلّ الدليل على صحّتها عنده ، ثم يقول : كلّ من ذهب إلى هذا الحكم يذهب إلى عموم قوله تعالى : (وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ) والتفرقة بين الأمرين خلاف الاجماع.
قلنا : الفرق بينهما ظاهر ؛ لأنّا إذا بنينا على مسألة ضمنا عهدة صحّتها ونفي الشبهة عنها ، ومخالفنا إذا بنى على مسألة مثل أنّ التسمية غير واجبة أو غير ذلك من المسائل ، لا يمكنه أن يصحّح ما بنى عليه ولا أن يورد حجّة قاطعة فيه ، والمحنة بيننا وبين من تعاطى ذلك ، ونحن إذا بنينا على مسألة دللنا على صحّتها بما لا يمكن دفعه ، وهذا على التفصيل يخرجه الاختبار والاعتبار (١).
ـ (وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) [الأنعام : ١٢٩].
قيل [في هذه الآية] أقوال :
منها : أن يحشر الظالمون مع أوليائهم فيدخلون النار إلى بيتهم في العقاب.
وقيل : يخلي الفراعنة ويولّيهم على الظالمين ويمكّنهم منه.
وقيل وجه آخر وهو أحسن : وهو ما بيّنه تعالى في موضع آخر بقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) (٢) فحكم أنّ الكفار بعضهم يتولّى بعضا وينصره ومنع المؤمنين من ذلك فكان حاكما عادلا من حيث حكم بما ذكرناه ، والله تعالى أعلم (٣).
ـ (وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ ....) [الأنعام : ١٣٣].
أنظر النور : ٥٥ من الشافي ، ٤ : ٣٦ و ٤٥.
ـ (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ) [الأنعام : ١٤٠].
__________________
(١) الانتصار : ١٨٨ وراجع أيضا الناصريات : ٤٤٠.
(٢) سورة المائدة ، الآية : ٥١.
(٣) الرسائل ، ٣ : ١٠١.