ـ (قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ وَإِنَّا لَفاعِلُونَ) [يوسف : ٦١].
أنظر يوسف : ٥٩ من التنزيه : ٨٥.
ـ (فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ) [يوسف : ٧٠].
مسألة : فان قيل : فما معنى جعل السقاية في رحل أخيه وذلك تعريض منه لأخيه بالتهمة ، ثمّ أذّن مؤذّنه ونادى بأنّهم سارقون ولم يسرقوا على الحقيقة؟
الجواب : قلنا : أمّا جعله السقاية في رحل أخيه ، فالغرض فيه التسبّب إلى احتباس أخيه عنده ، ويجوز أن يكون ذلك بأمر الله تعالى ، وقد روي أنّه عليهالسلام أعلم أخاه بذلك ليجعله طريقا إلى التمسك به ، فقد خرج على هذا القول من أن يكون مدخلا على أخيه غمّا وترويعا بما جعله من السقاية في رحله ، وليس بمعرض له للتهمة بالسرقة ؛ لأنّ وجود السقاية في رحله يحتمل وجوها كثيرة غير السرقة ، وليس يجب صرفه إليها إلّا بدليل. وعلى من صرف ذلك إلى السرقة من غير طريق ، اللوم في تقصيره وتسرّعه ، ولا ظاهر أيضا لوجود السقاية في الرحل يقتضي السرقة ؛ لأنّ الاشتراك في ذلك قائم ، وقرب هذا الفعل من سائر الوجوه الّتي يحتملها على حدّ واحد.
فأمّا نداء المنادي بأنّهم سارقون فلم يكن بأمره عليهالسلام ، وكيف يأمر بالكذب وإنّما نادى بذلك أحد القوم لمّا فقدوا الصواع ، وسبق إلى قلوبهم انّهم سرقوه ، وقد قيل : إنّ المراد بأنّهم سارقون انّهم سرقوا يوسف عليهالسلام من ابيه وأوهموه أنّهم يحفظونه فضيّعوه ، فالمنادي صادق على هذا الوجه ، ولا يمتنع أن يكون النداء بإذنه عليهالسلام ؛ غير انّ ظاهر القصّة واتّصال الكلام بعضه ببعض يقتضي أن يكون المراد بالسرقة سرقة الصواع الّذي تقدّم ذكره وأحسّوا فقده ، وقد قيل : إنّ الكلام خارج مخرج الاستفهام ، وإن كان ظاهره الخبر ، كأنّه قال : (إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ) فأسقط ألف الإستفهام كما سقطت في مواضع قد تقدّم ذكرها في قصة إبراهيم عليهالسلام (١). وهذا الوجه فيه بعض الضعف ؛ لأنّ ألف الاستفهام لا تكاد
__________________
(١) تقدّم تخريجه في سورة الأنعام ، الآيات : ٧٦ ـ ٧٨.